المشهد الروسي الأميركي يزداد توتراً، ويحتوي على المزيد من الألغاز والتعقيدات، وبالقطع سيلقي بظلاله على منطقة الشرق الأوسط، ويأتي ذلك بعد العُثور على المليونير ووزير الإعلام الروسي الأسبق ميخائيل ليسين، المقرب من الرئيس فلاديمير بوتين، ميتاً في فندق بالعاصمة الأميركية واشنطن، وهو الشخص الذي كانت المعارضة الروسية تتهمه بقمع وسائل الإعلام في روسيا، وشارك في تأسيس مجموعة الإعلام "روسيا توداي" الناطقة بالإنجليزية، والمدعومة من الحكومة الروسية، وتقول المجموعة إنها ترغب في تقديم رؤية بديلة للأحداث العالمية الكبرى مع "وجهة نظر روسية".
القتيل كان محل شكوك أميركية سابقة حينما طالب السيناتور الجمهوري الأميركي روغي ويكر، في يوليو/تموز 2014 بتحقيق اتحادي حوله؛ لمعرفة ما إذا كان يبيض أموالاً في الولايات المتحدة أو ما إذا كان على صِلة بأشخاص موضع عقوبات أميركية.
أهمية الحادث تكمن في أنه جاء قبيل طرد الولايات المتحدة عدداً من الدبلوماسيين الروس مؤخراً، فيما رد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن روسيا لن ترد على هذه الواقعة إلا بعد معرفة رأي الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب من تلك الواقعة عقب توليه الحكم في نهاية يناير/كانون الثاني الحالي، وهو الرد الذي وضع علامات استفهام كبيرة حول صحة التحقيقات التي تؤكد تورط روسيا في عمليات تزوير تقنية متقدمة لصالح ترامب في الانتخابات الرئاسية التي جرت أوائل نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ورغم أن المجمع الانتخابي أكد فوز ترامب في تلك الانتخابات، فإن ما أعلنته المخابرات الأميركية السبت الماضي من اجتماعها مع الرئيس ترامب يضع علامات استفهام كبرى جديدة، أهمها أنه لا يحق لرئيس لم يتولَّ رئاسته رسمياً الاجتماع بالمخابرات الأميركية، خاصة أن قيادات تلك الأجهزة قد يتم تبديلها مع كل رئيس جديد للبيت الأبيض، وهو ما يرجح معه أن يكون الاجتماع للتحقيق مع ترامب، وليس لترتيب أوضاع الجهاز، كما يتصور، وكما أعلن.
ومن اللافت للنظر ذلك الرضوخ السريع للقوات الروسية في سوريا، وقبولها الجلوس مع المعارضة المسلحة للتفاوض، ما يعني اعترافاً ضمنياً بها، وهو ما يشير ضمن ما يشير إلى رغبة الروس في تسوية سريعة والخروج بأي مكسب سريع من الوضع السوري لتتفرغ موسكو لصراعات جديدة ترتقبها.
وفيما يشبه تفجراً جديداً للحرب الباردة، قاست موسكو خلال الأيام القليلة الماضية خسائر فادحة قد لا تبدو مبررة، أو حتى منطقية، أهمها سقوط الطائرة العسكرية، وعلى متنها عدد كبير من كبار العسكريين الروس، كانت في طريقها لحلب السورية، ثم مقتل السفير الروسي في إسطنبول، بينما تشير التحريات التركية، بحسب إفادات صحفية، إلى وجود علاقة حميمية بين القاتل وبين سيدة روسية، كانت على علاقة بالمخابرات الأميركية، وهو ما أكده رئيس لجنة الأمن القومي بمجلس الشورى الإيراني، علاء الدين بروجردي، وكذلك مقتل وكيل وزارة الخارجية الروسي في شقته بموسكو.
كما يأتي إعلان صحيفة "ديلي ستار" البريطانية عن أن الرئيس الروسي قتل في 2014، وتم استبداله بشبيه آخر ليضيف المزيد من الاستفهامات، فضلاً عن الإعلان عن تعرض السفير الروسي في تل أبيب إلى وعكة صحية، وما تلاها من تسرب معلومات عن أنه تعرض للتسمم، وهو الأمر الذي إن ربطنا بينه وبين تصريحات وزير خارجية أميركا عن خطورة المستوطنات الإسرائيلية، ومن قبلها امتناع الولايات المتحدة عن الاعتراض على قرار إدانة بناء المستوطنات، والاكتفاء بالامتناع عن التصويت فقط، وما يحمله ذلك من تطور غير مسبوق بين العلاقات المعروفة تقليدياً بالحميمية بين إسرائيل والولايات المتحدة، لو ربطنا بين ذلك لوجدنا مؤشراً كافياً عن احتمال اكتشاف الولايات المتحدة تدخلاً روسياً عبر النفوذ الإسرائيلي في الانتخابات الأميركية.
بالطبع صراعات العمالقة تلقي بظلالها على كل العالم، ومن أهم الأماكن تأثراً به سيكون الشرق الأوسط، ففيما يبدو أن الولايات المتحدة تسارع الزمن قبيل حلول العشرين من يناير/كانون الثاني؛ حيث يتولى ترامب رسمياً الرئاسة – إن كان هذا سيحدث هذا أصلاً – من أجل قصقصة ريش روسيا التي خرجت من الحظيرة الأميركية بشكل مفاجئ، بعدما أدخلت إليها قسراً عقب الانهيار السوفييتي عام 1990، وراحت تعبث في البيت الأبيض نفسه.
ومن المتوقع أن تمتد قَصقصة الريش تلك إلى مصر؛ لتتم إزاحة الحلفاء المارقين، الذين صعدوا بعون البيت الأبيض وهرولوا إلى الكرملين، كما امتدت إلى سوريا مؤخراً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.