ثورات الربيع لعفويّتها المفرطة وفراغ ساحاتها من قوى وطنية ديمقراطية صلبة ومبدئية ومجربة تكالبت عليها جماعات الإسلام السياسي، وخسرت القيادات الكفوءة الموحدة لإدارتها وإيصالها إلى الانتصار وبر الأمان، وفي مراحل لاحقة وعندما تقضي مصالح الأطراف الدولية والإقليمية المعنية التي كانت إما مساهمة في التدمير ومحتلة أو متفرجة لفرض السلام، ليس من أجل تحقيق مطامح الشعوب، بل لبسط النفوذ والسيطرة واستثمار إعادة الإعمار ستجد وتلملم (باللصق والتزوير) أفراداً وجماعات من هنا وهناك باسم المعارضة والموالاة، لتحقيق ما تصبو إليه، ولا يهمها تحقيق السلام الحقيقي العادل والدائم، هذا ما يحدث الآن لبلادنا ولبلدان أخرى، مثل ليبيا واليمن، وحصل لمصر، فهل بإمكان تلك الأطراف تمرير خططها وتثبيتها تحت غطاء الشرعية الدولية؟ أم أننا بانتظار حراك ثوري مستقبلي آخر ومن أنماط جديدة لإعادة التوازن وتصحيح المسار؟
المحتلون الروس -ومنذ حين- وانطلاقاً من كونهم يعتقدون أنهم مسيطرون عسكرياً على الأرض والنظام تابع لهم، فلهم الحق في تقرير مصير البلاد، ينكبون على التحضير لمؤتمر واسع نهاية الشهر الأول من العام الجديد في سوتشي، يستدعون من يرغبون به بشروط واضحة ومعلنة، أولها قبول الاحتلال الروسي، وثانيها الانصياع للمصالح الروسية في سوريا والقبول بقواعدها العسكرية ومطاراتها وشرعية نفوذها على كامل الأراضي، وتثبيت ذلك ضمن القرارات، وثالثها الموافقة على تفاصيل الحل الروسي للقضية السورية بما في ذلك التسليم بنظام الاستبداد بكل مؤسساته، ومن ضمنها رأس النظام، وكل القيادات العسكرية والأمنية والحزبية، وكذلك بنود الدستور المقترح والنظام السياسي، ثم رابعاً التسليم بأحقية وأولوية القرار الروسي في مسألة إعادة الإعمار، وهنا طبعاً بيت القصيد.
ليس هناك فائدة للشعب السوري وقضيته إن عقد مؤتمر (سوتشي) أو لم يعقد، بل إن أغلب الظن أنه لن يكون إلا عقبة جديدة أمام السلم والاستقرار والمزيد من التعزيز لمؤسسات نظام الاستبداد، ليس لأننا ننكر مسار التاريخ (من حيث المبدأ) عندما تفاوض ممثلو حركات التحرر الوطني محتليهم لنيل الاستقلال، بل لأسباب أخرى، ومنها الافتقاد إلى وفد وطني موحد يمثل كافة الأطياف والمكونات، يحمل مطالب السوريين المتمثلة بأهداف الثورة، لفرض حل عادل، ولأننا نحن الكرد ما زلنا في "شقاق" ولسنا مهيَّأين لترتيب بيتنا أو توكيل من يمثل شعبنا، ولأن الحضور وبالأسماء تقرر مسبقاً كانعكاس للمحاصصة بين الروس والنظام وتركيا وإيران، ولأن النتائج معدة سلفاً بحسب توافقات الأطراف المعنية، والمشاركون ما هم إلا شهود زور على سوريا قادمة محتلة مقسمة بين نفوذ الأطراف الدولية والإقليمية، وبوجود البقية الباقية من مؤسسات نظام الاستبداد، ثم اختتم صديقي الحديث بتوديعي قائلاً: "معك حق".
على الصعيد الكردي ومن شدة التزاحم من جانب (الأحزاب الكردية السورية) والاستقتال في حضور المؤتمرات – أياً تكن – نجدها تقفز فوق كل القضايا الخلافية في الحركة السياسية الكردية، وتنسى كل أطروحاتها السابقة والراهنة حتى لا يفوتها قطار سوتشي، وقبول كل أنواع المهانة من قبيل ما تردد أن الروس لن يدعوا أطرافاً حزبية، ويتركوا الأمر لاختيار الطرف التركي لأشخاص مقبولين من جانبهم، وفي واقع الأمر وإن توافرت الجدية وانعقد مؤتمر وطني سوري حقيقي بإرادة السوريين يجب تجاوز المشهد الراهن من -معارضة فاشلة وأحزاب فاقدة الشرعية الشعبية- والاعتماد على الغالبية الوطنية من المستقلين والثوار والحراك الشبابي ومنظمات المجتمع المدني.
حتى دعوات "الوحدة" الصادرة من أفراد بغية مصالحة أحزاب (المجلسين – تف دم والوطني الكردي)، تبدو وكأن الهدف هو تحقيق وفد مشترك لحضور مؤتمرات من دون الولوج في لب الأزمة وأسبابها ونتائجها، وللوهلة الأولى فإنها تحوز رضا المزاج الشعبي العام العفوي التواق دائماً إلى الخير وحتى لا تتحول تلك الدعوات إلى مجرد شعارات عاطفية، وحتى لا تحول ذلك إلى نسيان أخطاء وخطايا القيادات الحزبية، وما ألحقت من أضرار بقضايانا والقفز من فوقها دون حساب ومساءلة، علينا إعادة القضية إلى أصحابها من الغالبية الشعبية وملامسة جوهرها من قبيل: البحث عن توفير شروط عقد المؤتمر القومي الجامع لكل الطاقات من أجل إنجاز المشروع الوطني الكردي السوري، وإعادة الدور الكردي إلى مواقعه الطبيعية ضمن النضال الديمقراطي السوري، ووضع استراتيجية وخارطة طريق للحاضر والمستقبل، هذا ما نراه السبيل الصحيح لتحقيق الوحدة والاتحاد.
كان لافتاً تخوين رأس نظام الاستبداد اليوم لقسم من الكرد المتعاونين مع الأميركيين والمقصود قوات "ب ي د" وليس كل الكرد كما صحح سؤال المراسل الصحفي جاء بعد لقائه نائب رئيس وزراء روسيا في حميميم، وهذا له دلالته السياسية عشية مؤتمر سوتشي، الذي يشارك النظام روسيا في وضع برنامجه والمدعوين إليه، واقتصر رد ممثلي (الإدارة الذاتية لـ"ب ي د") بالقول: إن (النظام مسؤول عن ظهور المتطرفين في سوريا وإن مرحلة جديدة قد بدأت)، وهو صحيح بما يتعلق بمساهمة النظام في إحضار أطراف عديدة إلى سوريا لمواجهة الثورة، وإذا كانت هناك مرحلة جديدة في التحالفات، فالمطلوب من سلطة "ب ي د" التجاوب مع نداءات المخلصين في قبول وتقديم الدعم لانعقاد المؤتمر القومي – الوطني الكردي السوري من ممثلي الوطنيين المستقلين والأحزاب ومنظمات ىالمجتمع المدني في القامشلي أو عين العرب – كوباني أو عفرين للخروج ببرنامج واستراتيجية كردية موحَّدة؛ لمواجهة تحديات السلم والمقاومة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.