يحاول مدرسو المرحلة الابتدائية، من الصفِّ الأول حتى الرابع، في الأراضي الفلسطينية عامة وقطاع غزة بشكل خاص، تصحيح الأخطاء العديدة التي وقع بها معدِّو المناهج الجديدة، التي طالت حتى بعض ألوان العَلم الفلسطيني!
إذ شهِدَتِ المناهج الجديدةُ التي عَمِلَت لجنةٌ خاصةٌ، شُكِّلَتْ بقرار من مجلس الوزراء الفلسطيني في رام الله، أخطاءً كارثية حسبما ترى شبكة "زدني"، وتمثلَتْ في أخطاء دينية لبعض سور القرآن، بالإضافة لأخطاء إملائية ولغوية في منهج اللغة العربية والرياضيات.
وأثارت المناهج الجديدة حفيظةَ الكثير من المتابعين الفلسطينيين؛ إذ تم تعريف مدينةَ رام الله بأنها مركزٌ لفلسطين بدلاً من مدينة القدس المحتلَّة، فضلاً عن استبدال الدروس الوطنية والدينية بأخرى بعيدة عن السياق ذاته.
المواضيع المحذوفة
وكانت أبرزُ الملاحظاتِ التي رُصِدَتْ، خلال عمل شبكة "زدني" على التحقيق، الخطأ في اسم سورة الإخلاص، وكتابتها باسم "الصمد"، بالإضافة لحذف دورسٍ عن المسجد الأقصى واستبدالها بأخرى عن الحوت، فضلاً عن حذف درس يتحدث عن ياسر عرفات في منهاج اللغة الإنكليزية ووضع قصة روميو وجوليت مكانه.
وقالت شبكة "زدني" للتعليم إنه جرى تقليل المحتوى الديني والوطني من المناهج الجديدة مقارنة مع المناهج القديمة التي أُعدت في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات عام 2000. ورصدت شبكة "زدني" التغيرات التي تحدَّث عنها عدد من المدرسين كالتالي:
الصف الأول: زيادة في عدد الدروس للصف الأول، واستبدال الدروس الوطنية بأخرى عادية، واستبدال الدروس الخاصة بالأقصى بدرس عن الحوت، مع إضافة رسومات خاصة بسورة الفلق على هيئة ساحرة وحيوانات.
الصف الثاني: كتابة سورة الإخلاص باسم "سورة الصمد" في منهج التربية الإسلامية، بالإضافة لأخطاء أخرى مطبعية في بعض الأسماء. أما في كتاب التربية الاجتماعية والوطنية، فكانت هناك أخطاء واضحة وخطيرة في خريطة فلسطين؛ إذ وضعت مدينة بيت لحم بالضفة الغربية بدلاً من غزة على الخريطة.
الصف الثالث: أخطاء لغوية ونحْوية واضحة في منهاج الرياضيات، مع حذف درس خالد بن الوليد.
الصف الرابع: خطأ في عَلم فلسطين بواجهة الكتاب والصفحة الداخلية له وجعله أكثر قرباً للعَلم الإماراتي، بالإضافة إلى أخطاء نحوية وإملائية كثيرة في منهاج اللغة العربية، وحذف الدروس الوطنية.
أخطاء إملائية ومناهج غير مفهومة
المعلِّمة الفلسطينية مكرم مشمش، التي تدرِّس الصفَّ الأول الابتدائي، تقول لـ"فريق زدني": "إن المنهج الجديد على صعيد اللغة العربية لا يمكن الاعتراض على كونه يعلم الطلاب المهارات الأربع للغة التي يجب أن يتعلموها".
وتقول مكرم مشمش للشبكة: "هناك خلو واضح من الآيات القرآنية في المنهاج الفلسطيني الجديد الذي دخل حيزَ التدريس بَدْءاً من العامِ الجاري 2016-2017، بعد سنوات من تدريس المنهاج الفلسطيني القديم الذي بدأ العمل به عام 2000".
وحسب مشمش، تبين أن منهج الرياضيات وطريقة عرضه غير مناسبة وغير واضحة للمرحلة الأولى لأي طالب مدرسي؛ إذ جرى وضع منهاج الفصل الثاني بدلاً من الفصل الأول، وكانت المسائل الرياضية معقدة في ظل عدم وجود وقتٍ كافٍ.
وتشير المعلمة الفلسطينية إلى أنها لجأت في مطلع الفصل الدراسي الحالي إلى اعتماد شرح بعض الدروس على الطريقة القديمة؛ بسبب عدم مواءمة المناهج الجديدة المقررة من وزارة التربية والتعليم لقدرات الطلاب في المرحلة الأولى لهم.
وتنوه مكرم مشمش إلى أن بعض الأخطاء الإملائية موجودة في المنهج ككل، بالإضافة إلى أن التنشئة الموجودة ممتلئة بالمعلومات، إلا أنها غير منظمة، وهناك عدم وضوح بالصور الموجودة، والتي تضع الطفل في حيرة من مدى كونها صحيحة أو خاطئة.
وطالَبَتِ المعلمة الفلسطينية بضرورة أن يكون التغيير في المنهاج الجديد تدريجيّاً وليس بهذا الكمِّ الذي جرى به، وأن تَتِمَّ تجربتُه قبلَ نشره، وتوفيرُ مستلزماته ووسائله كافة، وإعطاء المدرِّسين دوراتٍ مجديةً؛ لأن الدورات التي تلقاها المدرسون حول المنهاج بعيدةٌ كل البعد عن التطبيق العمليِّ.
صعوبة الرياضيات على الطلاب
أما المعلمة الفلسطينية حنان المقيد، التي تدرس الصف الثالث الابتدائي، فتشير لـ"فريق زدني" إلى أن "منهاج الرياضيات الجديد يعتبر (مصيبة)؛ لكونه يحتاج إلى مهارات عقلية أكبر من مستوى الطلاب لم تَجْرِ مراعاتها حينما جرى وضع المنهج الجديد".
وتنوه المعلمة حنان المقيد إلى أن منهاج الرياضيات شهد أخطاءً إملائية ومطبعية واضحة، بالإضافة إلى عدم تسلسل الدروس وصعوبة المنهج على الطلاب ومدى قدرتهم على فهمه واستيعابه بالمقارنة مع أعمارهم وقدراتهم.
وتطالب المعلمة الغَزِّيَّة بضرورة قيام وزارة التربية والتعليم بالعمل على تعديل منهاج الرياضيات؛ ليصبح أكثر ملائمةً مع قدرات الطلاب ومعرفتهم في المرحلة العمرية، وإحداث تسلسل واضح على سير الدروس في المناهج الجديدة.
أما في منهاج اللغة الغربية، فتوضح حنان المقيد أن المناهج الجديدة شهدت ازدياداً ملحوظاً في أعداد الدروس لتصبح 15 درساً مقرراً على الطلاب في الفصل الدراسي الواحد وهو يعتبر كثيراً للغاية، وترى ضرورة تقليله ليصبح 10 دروسٍ فقط؛ لإفساح المجال من أجل تعزيز مهارات الطلاب بشكل أفضل.
من بين الملاحظات التي رصدتها شبكة "زدني"، الإصرار على إغفال أي وجود لمدينة غزة، خصوصاً في أحد الدروس التي تتحدث عن الاتجاهات، حيث تركزت الأسئلة فقط على مدينة رام الله.
التربية الإسلامية
أما مُدرِّس التربية الإسلامية في المرحلة الابتدائية محمود شاكر، فعبَّر في حديثه لـ "فريق زدني" عن غضبه الشديد من المناهج الجديدة، التي اشتملت على أخطاء شنيعة تمثلت في تغيير اسم سورة الإخلاص بـ"الصمد"، فضلاً عن رسومات مخيفة لا تتوافق مع طبيعة آيات القرآن الكريم، وتشويه صورة المرأة بوصفها بآية "وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ" من سورة الفلق للصفين الأول والثاني.
ويتابع في حديثه لشبكة "زدني": "لا بُدَّ من إجراء تعديلاتٍ على المنهاج، ولا يليق وضع رسومات مخيفة على هيئة ساحرة وحيوانات وغيرها للتعبير عن آيات القرآن الكريم، كان الأولى أن تُعَدَّل المناهج بما يتوافق مع أعمار الطلاب وعدم ارتكاب أخطاء كهذه".
ويطالب المعلم الفلسطيني وزارة التربية والتعليم بغزة والضفة الغربية بضرورة العمل على إجراء تعديلات على المنهاج في الطبعة المقبلة وتعديل الأخطاء الواردة به كافة، لا سيما منهاج التربية الإسلامية للصفين الأول والثاني من المرحلة الابتدائية.
عَلم فلسطين إماراتي!
أما الشاعر الفلسطيني خالد جمعة، الذي وثَّق مجموعة من الأخطاء اللغوية التي وقع بها مُعِدُّو المناهج الجديدة لمساق اللغة العربية، فتمثلت في خطأ بمكان وجود اللون الأسود داخل علم فلسطين وجعله مشابهاً لعَلم الإمارات.
وكتب خالد جمعة عبر صفحته على فيسبوك، قائلاً: "على الرغم من أنهم يقولون إنه منهج (جديد)، فإنني أراه موضوعاً بطريقة تقليدية تماماً، سواء على مستوى اللغة أو الأفكار، أو حتى التناول، والاختصار الذي يضر بالفكرة؛ لأن الفكرة -كما هو واضح- يجب أن يتم التعبير عنها في صفحة واحدة".
واستعرض الشاعر الفلسطيني مجموعة من الأخطاء التي وردت في الكتاب الفلسطيني؛ إذ انتقد وضع درس كاملٍ عن جولة بأسواق القدس في 15 سطراً، تناول خلالها باب العمود وخازن الزيت ومجموعة من الأسواق في صفحة واحدة.
في حين لم يختلف حال منهاج اللغة الإنكليزية لطلاب الثانوية العامة (التوجيهي)، الذي جرى تعديله العام الدراسي الماضي، عن المناهج الجديدة؛ إذ يصفه المعلم منير مراد بأنه صعب؛ حيث يحمل الكثير من الكلمات الصعبة في الكتابة واللفظ على الطلاب.
ويوضح مراد لـ"فريق زدني" أنه "كان في منهج اللغة الإنكليزية سابقاً العديد من الفقرات والدروس، من ضمنها قطعة الشهيد الراحل ياسر عرفات. أما منهج السنة الماضية للتوجيهي، فتكلم عن قصة روميو وجوليت التي قامت الوزارة بغزة باستبدال قطعة أخرى بها.
الوقت لم يُسعف التعليم
من جانبه، قال وكيل وزارة التربية والتعليم بغزة، زياد ثابت، لشبكة "زدني"، إن إعداد المناهج الجديدة للصفوف من الأول حتى الرابع الأساسي (الابتدائي) لم يأخذ وقتاً كافياً من أجل المراجعة والاتفاق على المحتوى الموجود داخل الكتاب.
ويبين زياد ثابت لـ"فريق زدني"، أن عملية إعداد المنهج الجديد تمت على نحو سريع للغاية، في مدة لم تتجاوز 4 أشهر، عبر لجان جرى تشكيلها في الضفة الغربية وقطاع غزة، دون أن يجري التوافق على الإطار المرجعي للمنهاج الجديد.
وأشار المسؤول الحكومي بغزة إلى وجود الكثير من الأخطاء العلمية التي تضمنتها المناهج الجديدة، خصوصاً كتاب الرياضيات لمختلف المراحل التعليمية من الصف الأول حتى الرابع الأساسي، والسبب يعود لضيق المدة التي عَمِلَتْ بها الطواقم.
ونَوَّهَ وكيل وزارة التربية والتعليم بغزة إلى أن اللجان المشتركة التي عَمِلَتْ في فترة قصيرة لم يجرِ تدريبها بشكل كافٍ على إعداد المنهاج التعليمي، بالإضافة إلى أن عملية المراجعات كانت تتم بشكل سريع جدّاً دون إشراك العاملين في وزارة التربية والتعليم بغزة بالقدر الكافي.
"تعليم غزة" متخوف من المناهج الجديدة
ويقول ثابت إنه "على الصعيد الشخصي متخوِّفٌ من المناهج الجديدة، التي شهِدَتْ إهمالاً للبُعْدَيْنِ الديني والوطني، خصوصاً مع الانخفاض الملحوظ في المناهج التي كانت تتحدث عن قضايا فلسطين والقدس للمراحل الأساسية".
ويتابع: "في المنهج الجديد، جرى حذف بعض الدروس التي تتحدث عن صلاح الدين الأيوبي، وفتح القدس، وسُحِبَ درسٌ عن الصحابي خالد بن الوليد دون إثراء المنهاج بمواضيع متوافقة مع المواضيع ذاتها التي جرى سحبها".
ويشدد ثابت على أن الوزارة تتحدث مع نظيرتها في رام الله عن ضرورة أن يكون هناك تدارك، وإلا فستضطر الوزارة لإثرائها ببعض الدروس على شكل ملاحق؛ لتعزيز ارتباط الأبناء ثقافيّاً ودينيّاً بوطنهم.
استكمال التغيير لباقي المراحل رغم الأخطاء
في السياق ذاته، كشف وكيل وزارة التربية والتعليم بغزة عن استمرار توجُّه نظيرته برام الله في عملية تعديلات المنهاج؛ حيث تعمل لجنة حاليّاً على إجراء تعديلات جديدة للفصول من الخامس الأساسي حتى العاشر الثانوي على الرغم من الملاحظات الكثيرة على المنهاج الجديد الذي أثار ضجة كبيرة في الوسط الفلسطيني بالضفة وغزة.
"المناهج" تدافع: أخطاء مطبعية
في حين دافعت دائرة المناهج، التابعة لوزارة التربية والتعليم في رام الله، عن نفسها وعن الهجوم الذي تعرَّضَت له منذ مطلَع العام الدراسي الحالي، عبر صفحات التواصل الاجتماعي، من قِبَل النشطاء الفلسطينيين الذين رفضوا المنهج الجديد.
وقال رئيس دائرة المناهج ثروت زايد، في تصريحات صحفية: "إن الخطأ الذي ورد في الخارطة هو خطأ مطبعي"، موضِّحاً أن الشركة التي رَسَا عليها العطاء أخذت على عاتقها تجميع وتصميم وطباعة 16 كتاباً من الكتب التي قامت لجانٌ وفِرَقٌ من وزارة التربية، بالإضافة إلى أساتذة جامعات، على إعدادها ودراستها وتأليفها، في حين أن الدائرة الفنية بالوزارة قامت بتصميم وطباعة 18 كتاباً.
وأضاف أنه تم إرسال النسخ الجديدة للشركة في بداية شهر أغسطس/آب، وقامت الشركة بموجب العطاء تصميم الكتب الدراسية، وتزامن مع ذلك تدقيق كل نسخة 3 مرات، وكان موظفون من وزارة التربية يتابعون مع موظفي الشركة طيلة تلك الفترة كل صفحة يتم إدخالها.
وأوضح أن "الخطأ الوارد لم يكن موجوداً في المسودة التي أعدتها الوزارة، وكذلك في مراحل التصميم، لكن ما حدث هو أنه عندما انتهى موظفو الشركة من مبحث التربية الوطنية والحياتية، بدأوا بتجميع المادة، وخلال عملية النقل من جهاز حاسوب لآخر حصل ذلك الخطأ، إلا أن الشركة لا تتحمل الخطأ المطبعي.
وأشار إلى أن "التربية" أرسَلَتْ تعميماً للمدارس في الضفة وغزة، تطالب الأساتذة بتصويب الخطأ الذي ورد في أثناء معالجة النصوص والصور، مرفقاً بالصورة الصحيحة التي كانت عليها قَبْل مرحلة التصميم والطباعة.
في السياق ذاته، وافق ثروت العديدُ ممن انتقد إحدى الصور المرفقة في مبحث التربية الإسلامية للصف الأول، وهي صورة لامرأة، كُتب تحتها آية من سورة الفلق "وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ" قائلاً: "إن التربية استعانَتْ بفريق من الرسامين والرسامات، بيد أن تلك الصورة كانت غيرَ ملائمة، ولم يكن القصد تشويه صورة المرأة، لكنه كان يجدر ترسيخ المعنى بذهن الطالب بتصوير آخر".