أزمة العالم العربي والإسلامي تكمن في نخبتها. الشعوب بالكاد تستطيع أن تجاريك يوماً أو يومين ثم ينشغلون عنك بأمور حياتهم، أما طريق صناعة الحضارة فيخوضه أصحاب الأفكار والعزائم. دعك من علماء الطبيعة، فهم يبحثون عن نفقة أبحاثهم أو اختراعاتهم ويبذلون فيها ماء الوجه.
ضعاف النفوس أيضاً من مرضى المثقفين، هم على أرجوحة الحب والكره، تجدهم في كلماتهم فارغين من منطق الواقع، يلتمسون عصر النهضة بأوروبا وكلمات مفكريها وتركوا تراثهم المشرف الممتلئ بأوجه غاية في الإشراق مهملاً وقد خجلوا من الانتماء له.
أمثال هؤلاء وأولئك لم يصنعوا فكراً جديداً يلائم بيئتهم ويتواءم مع طبيعة وتقاليد وديانة شعوبهم، فخرجوا علينا بعلمانية وليبرالية لم يفقهوا مغزاها وأبعادها التطبيقية في حياة شعوب تعيشها ليل نهار. العلمانية والليبرالية عندهم هما كل شيء يناهض الإسلام. أعزائي، نحن نرتع سالمين مع الليبراليين والعلمانيين، نلتقي معهم في أشياء ونفترق معهم في غيرها. غاية الأمر هنا أن المناخين السياسي والاجتماعي وحدهما يحددان تعريف هذين المنهجين.
في العالم العربي، أسهل الطرق لتلطيخ تاريخ أو سمعة أي شخص لا تنسجم معه أن تصفه باتجاه لا يفهمه العامة وأنصاف المثقفين. فبين علماني كافر وليبرالي منحل وإسلامي إرهابي تجد نفسك في خصومة مع جميع الأطراف. لو قضى بعضهم قليلاً من الجهد والوقت ليبحثوا عن معنى هذه المفردات لكفاهم ذلك الكثير.
والحقيقة أن ويكيبيديا لم تألُ جهداً في تطوير هذه المدارس الفكرية بأيدي المنتمين إليها؛ إذ إن منشأ المعتقد نفسه طرأ عليه تغيير في توصيفه لسبب أو لآخر. فمثلاً العلمانية لم تعد فصل الدين عن السياسة فهذا كلام قديم؛ إذ إنك تسمع الصلوات من مختلف الأديان في افتتاح جلسة الكونغرس وتجد الإنجيليين يحشدون أتباع كنائسهم لانتخاب ممثلين تشريعيين يميلون إلى اتجاههم العقائدي وكل هؤلاء محسوبون على العلمانية.
أقول إن حالة الضعف المزرية التي أصابت العالَمين العربي والإسلامي، جعلت لأنصاف المثقفين دوراً انحطاطياً لم يخدم تقدم الشعوب؛ بل جاء معززاً لحكومات فاشية فاشلة. وجاء أيضاً جمود علماء الدين ليزيد الطين بلة. فبين مخلص مقصر منهم لمنافق متطلع وقع ضررهما في عرقلة فهم متقدم في فقه الإسلام وأولوياته.
إذن، من أين نبدأ؟
نبدأ من حيث انتهينا. وحذار من القفزات الطائشة فإنها لا تبني حضارات كما تزعم، فالحضارات تبدأ ببناء الإنسان، وهذا يلزمه تعليم، والتعليم يلزمه حرية، والحرية منحة الله، لا يملكها غيره ومن هنا نبدأ بالنخبة. نخبة تبني فكراً جديداً شجاعاً يسع الجميع، فكراً لا يتناقض مع الدين والتقاليد، فكراً يخرج من رحم الأم وليس من خارجه. الأمر يحتاج جهد العلماء المخلصين المنفتحين وأصحاب الرؤى الذين صدقت رؤياهم وأصحاب الرأي الذين لن يبخلوا به عن أحد إذا طلب منهم. لن تجف أرض هذه الشعوب عن حكماء يجددون لها دينها وأمر دنياها
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.