"لم يسبق للمرأة أن كانت مسحوقة، ومنهارة، ومستعمرة، وخامدة، مثلما هي عليه الآن. ويمثل عصرنا أكثر العمليات دناءة في تاريخ المرأة فالمظاهر خداعة، ذلك أن الفخ مموّه على نحو يثير الإعجاب"، هكذا بدأ المختص بعلم النفس الفرنسي "بيير داكو" كلامه عن خدعة الحرية والعالم التكنولوجي الحديث المجرد من الإنسانية ومخططه المعادي للمرأة، منطلقـاً من فكرة أن المرأة مختلفة عن الرجل، وأن الهدف كان القضاء على أنوثتها وتفردها، بحيث تتماهى تماماً مع عالم الرجال، ومن هنا كان لا بد من الآتي:
أن ينجذب العدد الأكبر من النساء إلى عالم العمل، ولتحقيق ذلك تم تملّقهن ومنحهن الانطباع بأنهن متحررات من وصاية الذكر! ومهم أن يقحمن في كل عمل يدفعهن دفعاً إلى التخلي عن أنوثتهن حتى تضمر تدريجياً؛ لأنها أنوثة غير مستعملة حتى تفنى تماماً.
وقد كانت النتيجة بالنسبة للنساء أنهن أصبحن محصورات في عالم الذكر الذي يتسم بضرورة التنافس والصراع، وهو ما يخالف طبيعة المرأة الفطرية والبيولوجية، والمرأة كي تتمكن من المصارعة في خضم الحياة عليها أن تفقد إنسانيتها أولاً، ولكنها لن تستطيع شاءت أم أبت، ومن هنا تكمن مأساتها، وعدم شعورها بالأمان، وتشوهها؛ فتفقد بذلك خصائصها الأنثوية التي تصبح موضع استهجان منها، حتى عاطفة الأمومة تتحول في عرف بعض منهن إلى شيء ساذج!
وقد وصفت إحدى النساء الغربيات الوضع بعبارة بليغة قائلة: "لقد احتفظ الرجل برجولته كاملة والنساء أصبحن مسخاً؛ نصف رجل ونصف امرأه"!
إن النساء فقدن مكانتهن التي كانت تتدخل في كثير من الأحيان فتتمكن من إنهاء الصراع بين الرجال، والتاريخ شاهد على ذلك في وقائع مختلفة، لعل أقربها إلى ثقافتنا مشورة أم المؤمنين أم سلمة -رضي الله عنها- للرسول -صلى الله عليه وسلم- والتي كانت بمثابة إنهاء لعصيان أمر الرسول.
ولكن هل يعني ذلك أننا ضد عمل المرأة؟ بالطبع لا، ولكن لا بد من إدراك أن الأفكار تؤثر على العالم ليس بمقتضى معانيها المنتحلة، وطبائعها المؤقتة، وفهمها المشوه، إنما وفق معانيها الأصلية، وطبائعها الحقيقية.
إن الإنسان لديه رغبتان أصيلتان هما: رغبة الاستقرار، ورغبة الاستقلال. ولكل منهما مجاله، فالزواج هو النتيجة الطبيعية لرغبة الاستقرار، أما العمل فهو النتيجة الطبيعية لرغبة الاستقلال، ولكن ماذا يحدث إذا وقع خلل في كلتا الرغبتين، فنجد مثلاً أن العمل أصبح دافعه هو الرغبة في الاستقرار! والزواج دافعه الرغبة في الاستقلال!
من هنا تنتج مشكلات عدة؛ ففي الحالة الأولى سنجد أن المرأة أصبح العمل يمثل أولوية لها، وسيدفعها إلى الإعراض عن الزواج تماماً، أما في الحالة الثانية فسنجد أن المرأة تهرب من بيت أسرتها إلى بيت آخر باحثة عن شخص يتكفل بها ويرعاها مثل أبيها، وذلك الهرب قد يكون بسبب وجود مشكلات أسرية تعاني منها الفتاة، أو بسبب توقع أن أهلها لن يستمروا على قيد الحياة متكفلين بها، فهو هروب من الوحدة ربما.
إن الزواج ليس غايته التكاثر فحسب، وكنا قد ناقشنا ذلك الأمر من قبل (انظر مقالنا: الزواج من التكاثر إلى التكوثر).
والعمل لا يمكن أن يكون بديلاً عن دور المرأة الأساسي، فلا يصلح أن يكون أولوية عند المرأة وأن يكون مستقرها، ذلك أن طبيعة العمل نفسها خاصة في ظل عصر الرأسمالية لا يتسم بأي قدر من الاستقرار! فإن تعلق المرأة رغبتها في الاستقرار على ما ليس بمستقر أصلاً هو مجازفة عواقبها مدمرة، وكثير من النساء مع كل أسف يشعرن أن عملاً مهما كان وضيعاً -حتى إن كن لسن في حاجة إليه- ضروري كي يحققن ذواتهن! بل يذهبن أبعد من ذلك فيحتقرن اللواتي يؤثرن البقاء في بيوتهن!
"غير أن النساء اللاتي يبحثن عن هويتهن من خلال مهنة من المهن لن يجدنها أبداً. ذلك أن الجنسين، شئنا أم أبينا، موجودان دائماً أحدهما بواسطة الآخر. ولن تحصل المرأة على وضعها الأساسي إلا بواسطة الرجل ومن أجل الرجل، والعكس صحيح، فالمرأة التي لا تحب وليست محبوبة تظل خامدة وعابرة مهما كانت فاعليتها، وتبقى لا متمايزة وغير بارزة، ميتة إذا صح التعبير!" – بيير داكو.
إن هناك فوارق واضحة بين الذكور والإناث في مجالات القدرات والاهتمامات والعمل، وإن كان هناك مَن يحاول إنكار هذه الفوارق، سواء عن عدم معرفة أم مكابرة أم لتحقيق مكاسب مختلفة؛ فإن المتخصصين من البيولوجيين وعلماء النفس يرون أن الوقوف في وجه هذه الحقائق ومنعها من أن تمارس دورها في مناحي الحياة المختلفة يتسبب في اضطراب هذه العلاقات في المجتمع، وفي معاناة كل من الجنسين في علاقته بالجنس الآخر، كما يتسبب في المقام الأول في أن تصبح الحياة رحلة مليئة بالشقاء بالنسبة للمرأة.
وبما أن المرأة دفعت إلى العمل خارج المنزل وعد ذلك تحريراً لها! فأصبح أمام المرأة طريقان يكفلان للنساء الطموحات تحقيق النجاح والتميز في العمل؛ الطريقة الأولى: أن يتشبهن بالرجال! "وهي الطريقة السائدة الآن"، وهذا يعني أن يهتممن بالصراع والمنافسة والإنجاز، ويتحملن المخاطر، ويقمن بالمبادأة، ويكبتن اهتماماتهن بالعلاقات الإنسانية الشخصية مع الاستعداد لقبول ما ينتج من ذلك من التضحية بالصحة والسعادة والرضا النفسي.
أما الطريقة الثانية فهي أن تعمل النساء "والرجال" على تغيير نظرة المجتمع إلى النجاح وإخراج مفهوم النجاح عن المفهوم الذكوري السائد ليشمل المفاهيم الإنسانية.
ولا شك أن المخرج من المشكلة هو أن تتبنى النساء ما يتماشى مع طبيعتهن وفطرتهن، وبالتالي يصبح لدينا مفهومان للنجاح "مفهوم ذكوري وآخر أنثوي" كلاهما مقبول ومعتبر، وبهما يمكن تحقيق السعادة والنجاح والاستقرار للمجتمع ككل. "د. عمرو شريف".
فالمرأة يمكنها أن تختار مجالات العمل التي تتوافق وفطرتها الأنثوية، وهي كل مجالات العمل التي تخلو من الصراعات والمنافسات، والتي يكون لها غاية سامية، على سبيل المثال لا الحصر كالتعليم والعمل الخيري والتمريض، وكل ما من شأنه أن يسمح للمرأة بأن تفرغ شحنة التعاطف والرعاية وتشبع لديها غريزة الأمومة.
وإذا ما برزت امرأة في مجال من المجالات التي يتميز فيها الرجال عادة، فإن ذلك يعني تمتعها بقدر كبير من الصفات العقلية التنظيمية، وينبغي أن تأخذ فرصتها كاملة للتفوق في هذا المجال. طالما أن هذا التفوق نابع تلقائياً دون وجود خلل أو عقد نفسية، إن ما ننكره هو أن يقوم المجتمع بتوجيه جنس النساء ككل لتبنّي طموحات الرجال وأسلوبهم في العمل والتنافس بما يتعارض مع طبيعتهن.
بهذا يتحقق نوع من التكامل الإنساني يعمل فيه كل من الرجال والنساء جنباً إلى جنب لتحسين العالم، فيصبح بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فلا يتماهين مع الرجال ويستنسخن سلوكياتهم المفرطة في العدائية ثم يصبن بالعديد من الاضطرابات النفسية التي تعرضهن لأنواع مختلفة من الشذوذ (انظر مقالنا: الشذوذ العاطفي).
ويبدو أن بداية الطريق هي التوقف ومراجعة العديد من المفاهيم التي تبنتها النساء، وعدم الاستسلام للخطابات النسوية المعادية للإنسان، فهم يشعرون بالضغينة؛ لأنهم يعانون من صعوبات عميقة في علاقتهم، ويسعون لإحراق الغابة كلها للقضاء على بعض الحشرات!
"فأشيروا إلى أي اختلاف أو فرق، وإن كان طفيفاً بين الرجال والنساء، فتوصفوا بالرجعيين المتحيزين جنسياً أو أعداء المرأة حتى وإن كنتن نساءً!" هكذا تقول "آلان ويلر" وهي كما تصف نفسها نتاج سنوات من النضال من أجل تحرير المرأة، وتطلب منها الأمر 40 عاماً لتدرك فداحة خطئها على حد تعبيرها!
فلا تكنّ رجالاً؛ فالعالم فيه ما يكفي من الدمار والشقاء، فالرجل غالباً ما يكون رسولاً للموت على عكس المرأة التي تهب الحياة؛ لذا فالجنة تحت أقدامهن.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.