أرض الأحلام

أوروبا، ستطالبك بالاندماج في مجتمعها بشكل سريع بتكلم لغاتها، والالتزام بعاداتها، وستطلب منك اتباع سياستها ومعايشة سوء مناخها حتى يبيض جلدك الذهبي المتلون بدفء شمس في بلادك، وستتعود معدتك على تلك الأطعمة سريعة التحضير لتنسى أطباقك الشرقية العربية.

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/09 الساعة 01:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/09 الساعة 01:44 بتوقيت غرينتش

لقد كبرت وكبرت كل هواجسي معي، والخوف يراودني حول مستقبلي أين سأكون فيما هو الحاضر؟

كنا شباباً يملؤنا الطموح والعزم والثقة أننا قادرون على كل شيء، وأن المستحيل كلمة لا تنتمي لقاموسنا، وأننا قادرون بعزمنا على تغيير الواقع وتحقيق أحلامنا.

وكبرت أنا بهذه العقلية السليمة حد الجنون، وبهذه الرغبة الجامحة في صنع المستحيل، وفي تخطّي كل الصعاب مهما كانت وكيفما كانت؛ لأنني كما كنت دائماً أؤمن وأعتقد أن أساس الدنيا الإصرار والعمل الجاد، والثبات على الرأي السليم.

فرض علينا أن نغادر أوطاننا ونكون مهاجرين، ومن بين بلاد العالم طموحنا نحو الأفضل: أوروبا.

كان هدفي إلى هذه البلاد، بلاد الأحلام، بلاد التكنولوجيا والنظام، بلاد التطور والنجاح، بلاد الحرية والأفكار التحررية، قل ما شئت وافعل ما شئت، فيها العيش الكريم، فيها التسامح، فيها السلام، وفيها الإسلام، لم أتخيل يوماً أنها ستكون رحلة إلى عالم آخر لا علاقة له بالحلم بعيداً عن الهدف.

أوروبا بلاد الواقع البارد ببرودة طقسها، وقلوب مواطنيها، وانحلال شعوبها، وتشتت أفكارهم، بقدر تشتت هوياتهم وثقافاتهم، وانتماءاتهم العرقية والدينية والفكرية، هنا حيث يباع كل شيء ويشترى، حيث تفقد كل الأشياء قيمتها لفرط سهولة امتلاكها، هنا حيث يركض الجميع كدُمى آلية مبرمجة في سباق السرعة اللامنتهي، يصارع المواطن الزمن، فالوقت هنا كالسيف إن لم تقطعه قطعك.

قديماً كان العربي محط الإعجاب لفحولته وقدرته الخارقة على العمل لساعات طوال، وأمانته وامتيازه عن غيره بأخلاقه الراقية، أما اليوم فحيثما حل العربي حلت معه نظرات الخوف والحقد والعنصرية.

أوروبا بتاريخها، بشساعة مساحتها، وبعدد حواضرها وبواديها، بشوارعها وبطول أبراجها لم تعُد تبتسم عند سماع كلمة مهاجر أو عربي أو مسلم، هذه الكلمات أصبحت في قاموس أوروبا معناها مرادفاً للإرهاب والعدو.

العدو الذي ساهم على طول هذه السنين بعد الحرب العالمية في تشيد بناياتها، وعبد طرقها، وساهم في تنميتها، ولم يبخل يوماً عليها، هنا حيث تغيرت كل المفاهيم بعد زمن العولمة والربيع العربي وقدوم اليمين المتطرف والهجمات الإرهابية المتكررة، التي ربطوها أساساً بالمهاجرين واللاجئين والإسلام والمسلمين.

أوروبا، ستطالبك بالاندماج في مجتمعها بشكل سريع بتكلم لغاتها، والالتزام بعاداتها، وستطلب منك اتباع سياستها ومعايشة سوء مناخها حتى يبيض جلدك الذهبي المتلون بدفء شمس في بلادك، وستتعود معدتك على تلك الأطعمة سريعة التحضير لتنسى أطباقك الشرقية العربية، وحتى وإن حالفك الحظ وكوَّنت عائلتك هنا، سترى أطفالك يولدون بلا هوية؛ ليصبح شغلك الشاغل تعليمهم حرفاً من حروف لغتك الأم العربية، ليقرأوا ما تيسر من كتاب رب العالمين.

لكل الراغبين في الرحيل: تمهلوا، رويداً، راجعوا حساباتكم مع الوطن، وأوثقوا حبال الود مع الواقع، وتوقفوا قبل أن يأكل الوهم كل جميل في دواخلكم، توقفوا وتراجعوا، فالهجرة خطيئة لا تغتفر، ولا قربان لكم لتقدموه ليصفح لكم.

لكل الراحلين بحثاً عن جزء ناقص منهم: توقفوا، فالغربة بقدر ما تعطي تأخذ وأكثر، وبقدر ما تغني تفسد، وبقدر ما تبعد تعذب، وتتلذذ بكسر شيء ممن يركع أمام نعيمها.

أوروبا ليست بلاد الأحلام.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد