ليس كل التقوى خوفاً

وأما استخدامها من قِبل الله تعالى لعباده -كما فهمت- فإنها خليط من كل هذه الأحاسيس في وقت واحد. فكما أننا لا نعجب من أن يخاف الطفل أباه ويحترمه ويحبه في آن واحد، فالشيء نفسه يقع في حق المؤمن؛ إذ يخاف ربه ويعظمه ويحبه في آن واحد أيضاً، ولله المثل الأعلى.

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/04 الساعة 02:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/04 الساعة 02:45 بتوقيت غرينتش

استوقفني قوله تعالى في بداية سورة الأحزاب: "يا أيها النبي اتقِ الله"، فأخذت أقلّب أوْجه معنى التقوى في سياق بقية الآيات المكملة "يا أيها النبي اتقِ الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليماً حكيماً * واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيراً * وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً"، حاولت أن أجتهد بعقلي وفكري في هذا الأمر الرباني وكيفيته وموضعيته في شخص رسول الله عليه الصلاة والسلام، فلم أزدد إلا تردداً وتخبطاً.

ولكن الله هداني لأبحث في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم لمؤلفه الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي، فوجدت ضالتي، وجدت أن كلمة تقوى أصلها "وقى (الفعل) من وقاية (المصدر)" وأن التقوى ليست كلها خوف الله:

1. وجدت أن التقوى فيها تعظيم لله وإجلاله كما في الآية الكريمة "ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب" (سورة الحج).

2. وجدت فيها حسن التوكل على الله كما في الآية الكريمة "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب" (سورة الطلاق).

3. وجدت فيها حسن التلقي من علم الله كما في الآية الكريمة "واتقوا الله ويعلمكم الله" (البقرة).

4. وجدت فيها إخلاصاً في تأدية مناسك الله كما في الآية الكريمة "واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى" (سورة البقرة).

5. وجدت أن المتقين آمنون في الدنيا والآخرة كما في الآية الكريمة "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم" (سورة يونس).

6. وجدت أن المتقين يقتبسون من علم الله كما في الآية الكريمة "واتقوا الله ويعلمكم الله" (سورة البقرة).

7. وجدت أن المتقين وقد تأدبوا بآداب الله كما في الآية الكريمة "وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون" (سورة البقرة).

ولا تنتهي عجائب التقوى في المعجم، وفتح الله ممدود لمن أخلص القصد وأجهد النفس في البحث، ولكنني أختم هذه العجالة بأن كلمة "اتق الله" إذا استخدمها الناس فمرادها واحد وهو "خَف الله" بصيغة الأمر.

وأما استخدامها من قِبل الله تعالى لعباده -كما فهمت- فإنها خليط من كل هذه الأحاسيس في وقت واحد. فكما أننا لا نعجب من أن يخاف الطفل أباه ويحترمه ويحبه في آن واحد، فالشيء نفسه يقع في حق المؤمن؛ إذ يخاف ربه ويعظمه ويحبه في آن واحد أيضاً، ولله المثل الأعلى.

اللهم اكتبنا من المتقين الأخيار، واجعلنا من أوليائك الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والله من وراء القصد.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد