حين يتحول عمال الإغاثة الإنسانية إلى ضحايا حرب؟

"ابتعدي عن النافذة وارتدي هذا" صرخت فيَّ زميلتي بينما تقذف بسترة واقية عبر الصالة، ما اعتقدناه ألعاباً نارية في البداية، لم يكن سوى وابل من الرصاصات الموجهة لمجمعنا.

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/03 الساعة 02:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/03 الساعة 02:14 بتوقيت غرينتش

"ابتعدي عن النافذة وارتدي هذا" صرخت فيَّ زميلتي بينما تقذف بسترة واقية عبر الصالة، ما اعتقدناه ألعاباً نارية في البداية، لم يكن سوى وابل من الرصاصات الموجهة لمجمعنا.

ليبيا بلد جميلة، إلا أن ترحيبها بي لم يكن له علاقة بجمالها، كنت قد أمضيت ما يقل عن الأسبوع في طرابلس، في الوقت الذي تحول فيه أسوأ كوابيس والديّ إلى حقيقة، تعرض مجمعنا، الذي يضم غالبية وكالات الأمم المتحدة والعديد من السفارات، ومن ضمنها سفارة كندا، إلى الهجوم.

وبينما التصقت بزميلتي في منتصف منزلنا، انتظرنا أن يقول الأمن شيئاً -أي شيء- من خلال الأجهزة اللاسلكية التي نحملها.

تفقدت هاتفي وتويتر، أملاً في أن شخصاً ما يقوم بنشر التحديثات، ومن المذهل أن أحد الزملاء من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية الموجود على بعد عدة منازل، كان يقوم بنشر تغريدات حية لما يجري.

في النهاية، وبعد ما بدا عقداً من الزمن، وصلت إلينا إشارة زوال الخطر، لقد تم التغلب على المهاجمين وإبعادهم، إلا أن ثقوب الرصاص في الجدران الإسمنتية لمنزلنا، لا تزال ذكرى حية لما جرى.

بعد بضعة أسابيع، سمعت المجموعة التي شاركت في التدريب في نفس المجمع والمكونة من 10 إلى 15 شخصاً من مختلف وكالات الأمم المتحدة، صيحات بالعربية.

مع اقتراب الأصوات، نظرنا لبعضنا البعض في صدمة، متسائلين عما يجري، وقبل أن نعرف، ظهر عدد من الرجال الملثمين ملوحين بمسدساتهم عند المدخل، وفي غضون ثوانٍ قليلة، كنت أقف قبالة الحائط بينما رأسي مغطى بكيس قماشي أسود، ومعصماي مقيدان خلف ظهري، أذكر أنني كنت أفكر في شيء واحد: تنفسي، إن لم تتنفسي، فسيصيبك الذعر، وإن أصابكِ الذعر، فأنتِ ميتة بالفعل.

جرى اقتيادنا إلى الغرفة المجاورة، واحداً تلو الآخر، تعثرنا في مشينا إلى أن اصطففنا سواسية، كل بضع دقائق، يمر أحد الرجال بأقرب مني صارخاً بشيء ما، قريب حتى إنني أشعر بلعابه على وجهي، وقفت هناك متسائلة عن المآل الذي سينتهي إليه ذلك.

ثم سمعت امرأة تبكي بحرارة، وفي اللحظة نفسها تقريباً، حُلَّ وثاق يدي، بينما طلب منا الصوت المتحدث بإنكليزية متقنة "من فضلكم، أزيلوا الأكياس من على رؤوسكم".

لصدمتنا، كان هذا تدريباً رتبه الفريق الأمني المسؤول عنا، قالوا إن مرورنا بسيناريو اختطاف الرهائن سيساعدنا على التأهب للاحتمالية الحقيقية، شعرت آنذاك بالغضب مقترناً بالراحة، إلا أن الأكثر خبرة أكدوا أنه ما من أحد اعتقد أن ما حدث خلال الأسبوع الأول هو حادثة فريدة.

من المؤسف أن موظفي الإغاثة الإنسانية يعملون تحت تهديدات ضخمة في عالم اليوم، ارتفع عدد الهجمات المباشرة على مجمعات الأمم المتحدة ومركباتها من 80 في عام 2014 ليصل إلى 299 في 2015، كما قُتل 23 من عمال الإغاثة الإنسانية في 2015، بينما تأثر 1819 بالحوادث الأمنية، كما لقي 32 من موظفي الأمم المتحدة على الأقل 2016 مصرعهم أثناء أداء عملهم. الشهر الماضي، اُختُطف 2 من عمال الإغاثة الإنسانية وقُتلا في جمهورية الكونغو الديمقراطية، قريباً من المكان الذي تمركزت فيه ذات مرة.

وبالرغم من أن العنف ليس مقتصراً على عمال الأمم المتحدة، تشير الإحصائيات إلى العالم شديد الخطورة الذي يعمل فيه شركاء الإغاثة الإنسانية، بينما يستمر الموظفون المحليون في مواجهة أقصى المخاطر الممكنة. في 2015، تعرض الموظفون المحليون لحوالي 64% من الحوادث التي تعرض لها موظفو الأمم المتحدة.

من سوريا إلى نيجيريا إلى جمهورية إفريقيا الوسطى، يشهد العالم مستويات غير مسبوقة من الكوارث والأزمات، بينما ترتفع معاناة المدنيين حتى آفاق كارثية، وإلى أن تتمكن الحلول السياسية من حل النزاعات، يبقى أولئك الساعون إلى تقديم الإغاثة الإنسانية في حاجة إلى الموارد والحماية والدعم على الصعيدين العقلي والجسدي، قبل أن يصبحوا هم أيضاً ضحايا للحرب.

– هذه التدوينة مترجمة عن النسخة الكندية لـ"هاف بوست". للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد