بين السحاب”16″| ألمانيا بلد الأحلام “2”

لا أحد ينظر للآخر، لا أحد يكترث.. مرة أخرى وجدتني أتذكر عندما كنت أحاول ممارسة الرياضة بالسير على الكورنيش، وسمعت من الألفاظ الإباحية الكثير، والتي كانت مقبولة لرجل أربعيني قال لي: "أصلك حلوة هيعملوا إيه؟"، ثم شمر عن ساعديه لضرب رجل قبَّل خطيبته على خدها وهما جالسان في مركب صغير على الكورنيش.. مجتمع الشيزوفرينيا.

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/10 الساعة 03:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/10 الساعة 03:08 بتوقيت غرينتش

بدأت يومي الثاني في ميونيخ بحمام ساخن، كم أستمتع بتلك المياه الساخنة، التي ينبعث منها الدخان؛ لتشعرني بدفيء الحياة المزيف، خاصة عندما يكون الطقس بارداً، متعة خاصة مثل شرب كوب من الكاكاو الساخن، وحمله بين أصابعي المتصلبة من البرد، الذي استمتعت باحتسائه عند مدخل الفندق بعد أن تجهزت لاستكمال جولتي في ميونيخ، كان آخر يوم لي هناك، وعليَّ زيارة أكبر قدر ممكن من المزارات، قبل أن أعود أدراجي باكراً.

قررتُ الخروج وحدي، أحياناً أحتاج لتلك المساحة؛ كي أنطلق منفردة، أو هكذا أصبحت بفعل الغربة والوحدة التي تأقلمت معها، قررت التجول حول الفندق؛ حيث كانت الحديقة الإنجليزية بأشجارها الفارعة الضخمة مثل الألمان، أحياناً نتشابه مع بيئتنا المحيطة.

أمامي وجدت بحيرة في منتهى الجمال تحتضن عائلات من البط أو الإوز، لا أعلم، ولكن المنظر ساحر، الجو البارد أضاف جمالاً لهذا الجمال، والمارُّون من الناس معظمهم أحضر معه كلبه، إنهم يعشقون الكلاب، رأيت أشكالاً وأنواعاً منها لم أرَها حتى على شاشة التلفاز.

كان هناك أعداد كبيرة من الناس، اقتربتُ من مطعم صغير مصنوع من الخشب وضع حوله مجموعة من الكراسي والطاولات، قررت تناول الفطور هناك، ما أعجبني أنه يقوم بتحضير الساندويتش أمامي، ابتسمت عندما تذكرت صديقتي التي وجدت صرصاراً في ساندويتش الفول الذي ابتعناه من محل معروف، وما خفي كان أعظم..

طلبت ساندويتش جبنة بعد أن اشتهيت الهوت دوج المشوي أمامي، والذي وضع عليه صلصة المستارد وبعض من صوابع البطاطس المحمرة، وعليها القليل من الكاتشب، سألت النادل: هل اللحم بقري أم؟ وقبل أن أنهي جملتي قال: إنه لحم خنزير (حرام) وهو مبتسم.

تناولت فطوري مع كوب ساخن من الشاي، وأنا أنظر وأحدق بمتحابين يقبلون بعضاً على الملأ، نظرت حولي وجدت أن لا أحد يكترث، الكل مشغول في الاستمتاع بجمال المكان والأكل والنقاش مع الأصدقاء أو باللعب مع الكلب.

لا أحد ينظر للآخر، لا أحد يكترث.. مرة أخرى وجدتني أتذكر عندما كنت أحاول ممارسة الرياضة بالسير على الكورنيش، وسمعت من الألفاظ الإباحية الكثير، والتي كانت مقبولة لرجل أربعيني قال لي: "أصلك حلوة هيعملوا إيه؟"، ثم شمر عن ساعديه لضرب رجل قبَّل خطيبته على خدها وهما جالسان في مركب صغير على الكورنيش.. مجتمع الشيزوفرينيا.

اقترب من المنضدة شاب ثلاثيني، سألني بلهجة ألمانية وكلمات إنجليزية إذا كنت من بلغاريا، أعتقد كان يحاول أن يفتح أي موضوع، كنت فظة بعض الشيء، لعلها أفكاري الشرقية المريضة كانت السبب، ولكنه كان لطيفاً لدرجة أخجلتني من نفسي، سألني عن بلدي، ثم أثنى على تاريخ مصر الفرعونية، ثم أخرج تذاكر مكتوباً عليها حفل أكتوبر فيست، قال لي: أريد أن أدعوكِ للاحتفال بمهرجان "أكتوبر فيست".

سألته عن المهرجان، قال لي إنه المهرجان الأشهر والأكبر في تاريخ ألمانيا، يحتفلون به سنوياً بالطعام وكؤوس البيرة والرقص والموسيقى، وددتُ أن أذهب، ولكني خفت، ويا ليتني ذهبت.

في طريقي لوسط البلد قررت أن أشتري تذكرة للترام كي أشعر أنني متحضرة، وحمدت ربي أني فعلت ذلك، خاصة عندما علمت أن زميلتنا "تينا" اضطرت لدفع 50 يورو مخالفة لركوبها الترام دون تذكرة.

ذهبت لنفس الشارع "مارين بلاتز"، قضيت ما يقرب من ساعتين في التسوق، التخفيضات في كل مكان، أعتقد تلك الكلمة سحرية ما إن نراها حتى نجد أنفسنا أمام الخزينة ندفع ما نملك من أجل أشياء لا نحتاجها.

التقيت "وسيم" واثنين آخرين من الطاقم، اتفقنا على تناول الغداء معاً، اخترنا مطعماً بسيطاً، حيث التهمنا شرائح البيتزا اللذيذة، ثم انطلقنا في الشوارع التي ازدحمت بباعة كثر يحملون كاسات البيرة الكبيرة، وآخرين يشوون "أبو فروة" الذي ابتعت منه الكثير، عزمنا وسيم على آيس كريم، وقضينا نصف ساعة نلتهمه، حتى الآيس كريم مختلف، كل شيء له نكهة مختلفة، نكهة ألمانيا.

أمام نفس الكنيسة كانت هناك فرقة موسيقية بدأت بعزف قطع متنوعة لسيمفونيات معروفة لموزارت وبيتهوفن وغيرهما، كانوا متميزين جداً، كنا مجموعة قليلة ملتفين حولهم، إلى أن قرر رجل عجوز الرقص، مد يده لسيدة خمسينية، والتي اندمجت في الحال على أنغام الموسيقى، ثم انضم الكثير للرقص معهم.

أصبحت الساحة كلها متفرجين وراقصين، ثم بدأت الفرقة بعزف أغنيات معروفة لفنانين عدة، وبدأنا نردد ما نعرفه بصوت عالٍ، كنت أغني، كما لم أغنِّ من قبل، لم أشعر بالخجل، شعرت بالانطلاق والحرية والسعادة، كانت إحدى اللحظات التي نعيشها بسعادة مطلقة دون تفكير.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد