صَوتُ فِلِسْطِينَ المُغْتَصَب

فلسطين هي عجوزٌ تتسول انكمَش وجهها، ومَعالِمُها اندثرت، وأراضيهَا استُوطِنَت، فجبال الألب تأثرتْ ببُكائها، وسور الصين العظيم ذَاتَ يومٍ سَينهمِرُ جَرّاءَ صوتِ مناجاتها.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/12 الساعة 04:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/12 الساعة 04:11 بتوقيت غرينتش

سَوفُ أخلعُ عَنْ قلمي رِدَاءَ الأدب؛ ليتحولَ إلى قلَمِِ يقول الحقيقة التي تَفُوحُ في عَالمِِ غير عالَمِنا.

في كُلّ يومِِ يستغيثون أمَامَ مُحتلِِ اغتصبَ كل شيء، القنابل هناك لا تستثني أحداََ، مَدنيون ورياضيون يَسقُطُون كلّ يوم في فلسطين، والعربُ نائمون، يأكلون ويَشربون، ويغتصبون هذه بدعوى الإعجاب وأخرى بدعوى التحَرُّر، فافلعوا ما تشاءون؛ لأنَّ الرجَالَ ماتوا بل لَمْ يَبْقَ سِوى أشباه الرِجال.

فلسطين، في كُلِّ يوم تُعَاني تَحْتَ وطأةِ محتلِِ لا يرحم، فلسطين دائماً تَبكي وبكاؤها لا يَسمعهُ أحدٌ سِوى رَب العِبَاد، المحتلُ فعل كل شيء، احتل وقَتَلَ ونهب وسرق ما لذّ وطاب، ولكنّه لَمْ يستطِع سرقة رجولةَ وصَلابةَ الفليسطينيين، فكانت رَدَّةُ فِعْلِ الأمّةِ العربية هي مُشاهدة ما يحدث وإخفاء لسان التضامن وراء أسنانهم.

فلسطين ليست سِوى ملعب والعرب مُدرجات تتفرج، إلَّا البعضُ مَنْ صنعوا الاسثتناء الذي كان من المَفروضِ أنْ يكونَ قاعدة في صُفوف العرب، هم مجموعة من الشخصيات الرياضية ومشاهيرِ السينما، وما عَدَاهُ من السياسيين العرب، فالاستفهامُ أبلغُ وصف.

إنَّ التاريخ لا يعتَرِفُ بأصحاب السيارات الفارِهة، وأصحاب الخَامَةِ الصوتيّة والآسِرَّةِ الذهبية واليُخوتِ الغالية، بَلْ يَعْتَرِفُ بالسياسيين المُحنكين الذين يتركون أينما حلّوا وارتحلوا إرثاََ لا يُضاهَى ولا يُداس.

فلسطين هي عجوزٌ تتسول انكمَش وجهها، ومَعالِمُها اندثرت، وأراضيهَا استُوطِنَت، فجبال الألب تأثرتْ ببُكائها، وسور الصين العظيم ذَاتَ يومٍ سَينهمِرُ جَرّاءَ صوتِ مناجاتها.

في كُلِّ صباحٍ تَستَيقِظُ "العجوز" على وَقْعِ قنابِلَ وصَواريخ تلتهُم الأخضر واليَابس، فلم تجِد العجوز فسلطين لا قمراََ صناعياََ ولا مُفاعِلاََ نووياََ يُكفيهَا شرَّ التحالُفات، ولَمْ تجد في جانبها رجال التضامن؛ لأنَّهم اختفوا بل ماتوا ولن يعودوا أبداََ، دَرَسْتُ الأركيولوجيا فوجدتُ آثاراََ للديناصورات المُنقرِضة، ولكنني لم أجِدْ أثراََ للرجالِ العرب.

بعد شَدٍّ وجذبٍ مع محتلِِ فتاك، قتل الملايين ودَمَّرَ كلّ شيء؛ إلاَّ أنَّ رجالَ فلسطين هم صَناديد يَتَحمَّلونَ قساوةَ الجوع والبرد من أجل وطنهم، يُكَابِدونَ مرارةَ الموت، ويُفزعون جَرَّاءَ صوتِ القنابل، ويحملون بين ضلوعهم قلباً فلسطينياً خالصاً، يحلمُ بالاستقلال ويودِّعون الغروب في بَلَدِِ مُشرقِِ على الدوام، في انتظارِ صباحِِ جديد يحمل في طياته دروب أمل جديد يُكفِي العجوز صوت القَنَابل التي تنخُرُ أجسادَ أبنائِها.

هذه صفحة من كتاب خطَّتهُ العجوزُ بكفاحِِ خلَّدَهُ التاريخ، أما ما قَصَدَتهُ وفهمهُ الكلْ أنَّه لا يموتُ من تَرَكَ مَوقِفاََ؛ لأنَّ الحياة في مُجملها مَواقف.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد