مرسيليا مسقط رأس زيدان.. حيث ترى قمصان كل الفرق إلا المنتخب الفرنسي

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/11 الساعة 15:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/11 الساعة 15:34 بتوقيت غرينتش

لم يرد سائق سيارة الأجرة المجازفة بالاقتراب من محيط ضاحية مرسيليا، حيث وُلد زين الدين زيدان، قائلاً: "إنهم لا يحبون تلك اللافتة الموجودة أعلى سيارتي؛ فهم يعتقدونها مثل الشرطة"، وأشار إلى علامة سيارة الأجرة الموجودة أعلى سقف السيارة.

وقد ظهرت مخاوفه جلية أمامي عندما شاهدت الغرافيتي الذي يحمل عبارة تقول: "اللعنة على الشرطة"، التي ظهرت عندما كنا على بعد نصف ميل فوق التل في اتجاهنا نحو البرج الخرساني المتفكك الموجود بمنطقة كاستيلان. وفجأة قال السائق: "هذه هي المدرسة، سأتركك هنا"، ثم اختفى بسيارته فجأة عن الأنظار.

يتجمع الناس في الخارج في هذه الظهيرة الحارة، وبسبب غياب تلك الحالة الغريبة من ترك الأقليات للحي، لم يبدُ المكان مخيفاً. لكن الإحساس بأن ثمة أناساً يراقبونك بدأ سريعاً في السيطرة عليّ. وفجأة ظهر شاب في أواخر عمر المراهقة من السراب، وسألني: "هل تعيش هنا؟"، وقطّب جبينه وبدأ في الإشارة إليّ بأن الناس لا يسيرون هنا هكذا بينما يدونون بعض الملاحظات. ولم تتمكن العبارات الدبلوماسية وغلق المفكرة التي أحملها من استرضائه.

ثم ظهر خفير آخر كان متكئاً على دراجة بخارية أعلى التل، فحاولت الهرب منهما من خلال السير بالطريق الذي يقطع صفي المباني ولأرى كيف ستتطور الأمور. ظهر أمامي صبي آخر ينتظر في شارع آخر، بينما يصرخ في المنطقة التي خلفه كلما اقتربت منه، ما تسبب في ظهور شخص آخر يغطي رأسه ورقبته في تأنق. وبينما كان يجلس فوق دراجة بخارية، سألني: "لماذا أنت هنا؟".

بسرعة، وجدت مخرجاً آخر خلال متجر كارفور الموجود أسفل التل. وظل الرجل الذي كان يركب الدراجة البخارية منتظراً بينما أدار محرك دراجته. استغرق التجول داخل متجر كارفور 5 دقائق، أما الرجل فكان لا يزال منتظراً في نهاية المتجر عندما اختفيت داخله. في الحقيقة لا ينبغي على المرء أن يمشي هكذا في شوارع كاستيلان.

هذه هي المدينة التي لن يراها العالم عندما تبدأ حملة إنكلترا ضد روسيا في البطولة الأوروبية اليوم السبت 11 يونيو/حزيران. وبالضرورة، ثمة نوعان من مرسيليا: تلك المدينة الجميلة المزروعة والمطلة على البحر المتوسط التي يروج لها من خلال أدبيات البطولة الأوروبية 2016 – حيث كان الكتيب الخاص بالقطار فائق السرعة في فرنسا يحمل بعض الاقتباسات لجوستاف فلوبير – أما النوع الثاني، فهو هذه المدينة الصلبة المهجورة والقاسية أعلى التل. ويبدو أن الصورة التي تظهر من أعلى – التي تنقل الصفحات اللامعة لمياه البحر الأبيض المتوسط والسفن السياحية التي ترسو هناك – كانت تسخر من الخراب في ذلك الجزء الآخر من المدينة.

وفي الغالب يُظهر البريق الذي تحمله البطولات الدولية الصورة الحقيقية للانقسامات الموجودة على أراضي الأمم المختلفة. فعلى الرغم من تلك القذارة التي كانت موجودة بأحياء البرازيل قبل كأس العالم 2014، فضلاً عن العجز في توفير خدمات الكهرباء والصرف الصحي، لم يتسبب الأمر في ظهور تلك الحالة من الكراهية والريبة تجاه الغرباء مثلما يحدث هنا. فقد أخرجت المدينة لاعبي كرة قدم لعبوا للمنتخب الفرنسي خلال الأجيال الحديثة – مثل إيريك كانتونا، وسمير نصري، وزيدان – لكن التفكك الاجتماعي الذي خبروه لم يفارقهم أبداً.

الشوارع خالية من الشرطة

وعلى الرغم من الإجراءات الأمنية المشددة بسبب التهديدات الإرهابية المصاحبة لانطلاق البطولة القارية، فليس ثمة تواجد لسيارات الشرطة في شوارع كاستيلان، حيث بدا مشهد غريب لعربات تسوق مهملة وكراسي مفككة من 3 قطع لم تعد صالحة للاستعمال، حيث شن تجار المخدرات حرب عصابات ضد أماكن البيع.

ويشير غرافيتي آخر إلى أسطورة الغرافيتي "لو جن" Le Gun، الذي انتشر اسمه في أماكن كثيرة بالمشهد. وعندما كان من المقرر أن يزور رئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس، هذا المكان، أطلق مسلحون النار على رجال الشرطة ببنادق الكلاشنكوف. وكانت خطته لتطوير المكان تتضمن هدم الأبراج الخرسانية وإزالة تلك الأكوام من الخراب في مشروع تكلف 1.4 مليون يورور. وقد تسبب تدوين الملاحظات المتعلقة بتلك التفاصيل في ظهور أول خفير بالمكان أمامي.

في الغالب تتم عملية الفصل من خلال خطوط تقسيم عنصرية أيضاً. فسكان شمال إفريقيا – المعرفون باسم الأقدام السوداء، الذين تدفقوا إلى البلاد خلال ستينات القرن الماضي عقب الجلاء الفرنسي عن الجزائر والمغرب وتونس – انصهروا في هذه البقعة متعددة الثقافات، وهي السمة التي طالما ظهرت عليها هذه المدينة المطلة على البحر المتوسط، والتي تطل على الخارج في اتجاه بلاد شمال إفريقيا، ولكنها لم تقترب أبداً من الداخل الفرنسي.

إلا أن سائق سيارة الأجرة المغربي، الذي عمل بالمدينة لمدة 30 عاماً، يعلم جيداً المكان الذي لن يكون مرحباً به فيه إن أراد أن يشتري منزلاً، إنه الحي الخاص بتلك المجموعة المهمشة من الطبقة الوسطى التي تعيش في الجنوب، فهو يعيش في الشمال هو الآخر.

وقد وقعت المظاهرات الأخيرة التي ترفض الإصلاحات المقيتة التي أجرتها الحكومة الفرنسية على قوانين العمل، في صباح الخميس الماضي، وكانت السمة الأبرز في تلك المظاهرات الغياب شبه الكامل للفرنسيين ذوي البشرة غير البيضاء بين الـ200 متظاهر الذين كانوا يجوبون المدينة. مناطق الفرنسيين من أصول إفريقية من ذوي البشرة السمراء، مثل منطقة سانت بارتيليمي التي يسكنها الصوماليون، كانوا يريدون التظاهر أيضاً، لكنهم لا يمتلكون الصوت الذي يعبر عنهم مثل المجموعات الأخرى.

يقول إيريك جارسيا، أحد قادة المظاهرة: "إن نسبة البطالة في سانت بارتيليمي تبلغ 30%، وكثير من الناس هنا يواجهون صعوبات كبيرة. 90% منهم طبيعيون ويحاولون أن يُنشّئوا أبناءهم بصورة سليمة، لكن الأمر شديد الصعوبة. ستعتقد أنك في إفريقيا إن ذهبت إلى هناك".

معاناة الكثيرين تفسّر لماذا لا توجد أعلام فرنسية تحلق فى نهاية هذا الأسبوع في كاستيلان. يوجد عدد قليل من الناس يرتدون قميص ناديهم المفضل الحبيب أولمبيك مرسيليا، وآخرون يرتدون قميص ميسي الذي يلعب في فريق برشلونة، بينما يرتدي البعض الآخر قميص فريق تشيلسي، دون تواجد يُذكر لقميص منتخب فرنسا لكرة القدم.

إن تنظيم فرنسا لكأس العالم عام 1998 ساعد في تهدئة الانقسامات الاجتماعية والعرقية المتجذرة في المجتمع الفرنسي وساهم في جعل الأمور أكثر اختلافاً.

فعلى الرغم من التقدم الذي أحرزه جان ماري لوبان، مؤسس حزب الجبهة الوطنية اليميني، إبان كأس العالم 1998 إلا أن المنتخب الفرنسي الذي كان يقوده حينها إيمي جاكيه، وكان يُسمى حينها بالمنتخب "الأسود والأبيض والعربي"؛ نظراً للتعدد العرقي الذي تمثّل في منتخب فرنسا 1998. من أبرز هؤلاء اللاعبين كان ليليان تورام المولود في غوادلوب، وباتريك فييرا المولود في السنغال، ومارسيل ديسايي المولود في غانا، وزين الدين زيدان صاحب الأصول الجزائرية.

جسّد هؤلاء اللاعبون هوية فرنسية جديدة تعكس الأفكار السامية المجيدة التي وضعها الآباء المؤسسون للجمهورية الفرنسية، كما صاغها الصحفي الفرنسي فيليب أوكلير، الذي كتب السيرة الذاتية للاعب الفرنسى تييري هنري التي حملت عنوان "وحيداً في القمة" أو "lonely at the top" الذي أضاف انتماءه العرقي نوعاً من التوتر عندما حمل ديدييه ديشامب، قائد المنتخب الفرنسي، كأس العالم 1998. ولكن سرعان ما انهارت هذه الروح بعد 12 عاماً في كأس العالم التي أقيمت في جنوب إفريقيا.

وعلى الرغم من أن وجود بول بوغبا، وأنتوني مارسيال، ونغولو كانتي، يعكس التعدد الثقافي للمنتخب الفرنسي المُشارك في النسخة الحالية من كأس الأمم الأوروبية إلا أن هذا لا يرمز إلى بداية جديدة.

الدوافع العنصرية وبنزيمة

ويرى البعض من سكان هذه المدينة – مرسيليا – أن الدوافع العنصرية كانت هي المحرك الرئيسي وراء استبعاد اللاعب كريم بنزيمة، الذي استبعد من المنتخب الفرنسي بزعم قيامه بابتزاز أحد زملائه مستخدماً شريطاً جنسياً.

ويرى البعض أن معجزة 12 يوليو/تموز – وهو الوصف الذى أطلقه أوكلير على اليوم الذي فازت فيه فرنسا بكأس العالم 1998 – تبدو اليوم ذكرى بعيدة بالنظر لما تشهده فرنسا.

وقد تسبب تطور الموقف العرقي المعقد في زيادة احتمال أن تسبب مباراة إنكلترا أمام روسيا، في تحقق نبوءة المخاوف التي عبرت عنها الشرطة البريطانية. فمن الأرجح أنه ثمة تاريخ متعلق بإنكلترا والجالية التونسية هنا في فرنسا، وهو التاريخ الذي ارتبط بالمواجهة التي جمعت الفريقين في كأس العالم 1998. ووقف فرنسيون بجانب أبناء الجالية التونسية خلال القتال الذي دار بينهم وبين مثيري الشغب الإنكليز خلال ذلك اليوم، ورجال الشرطة الإنكليز لم يستبعدوا احتمال أن يعيد التاريخ نفسه مرة أخرى.

تعتبر الميول العنيفة لبعض المشجعين الروس مصدراً آخر من مصادر القلق، علاوةً على عدم وضوح مدى قدرة الشرطة الروسية التي تم إرسالها إلى هنا للتواصل مع القوات المحلية.

ومع عدم وصول المشجعين الروس بحلول ليل الخميس. وقد كان التعداد الهائل من الناس الذين يحتفلون بشهر رمضان في ضوء الشمس عطلة نهاية الأسبوع مستحوذاً على معظم مخاوف الضباط البريطانيين. إذ كان المواطنون البريطانيون يشربون ويغنون في حانة الملكة فيكتوريا في الميناء القديم وكانت أصواتهم مسموعة بوضوح على بعد ميل واحد في الساعة 11 مساءً، وهو ما أدى إلى وقوع اشتباكات مساء الخميس بين المشجعين الإنكليز والسكان المحليين.

وتكمن معاناة مدينة مرسيليا فيما هو أبعد من مجرد مباراة كرة قدم، والطريقة الوحيدة الآمنة لفهم المدينة التي تسودها الكآبة والبؤس هي من خلال ركوب الحافلة رقم 30 من محطة مترو بوغانفيل التي تبعد 5 كيلومترات عن وسط المدينة.

فالرحلة مليئة بالعثرات والقمامة والمصانع وسط البؤس الذي تشهده مدينة لو سافين، وفي نهاية الرحلة توجد لافتة تتوسل المواطنين من أجل الحفاظ على ملعب الأطفال الرئيسي. ظهرت امرأة من أصول شمال إفريقية في المكان الذي وصلنا إليه، وحين سألناها ما إذا كانت ستشجع فرنسا، قالت إنها ستشجع "إسبانيا. ذلك الجمال كله، ذلك المكان الرائع الذي أحلم بالذهاب إليه".

هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Independent البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية يرجى الضغط هنا.

علامات: