"عيب بالراس ولّا بالأساس" هذه المقولة يتداولها غالبية متعاطي المخدرات، يرى فيها بعضهم صواباً وينبذها القسم الأكبر من المجتمع.
أما واقعها فنراه جلياً واضحاً عندما نمعن النظر قليلاً في الحالة الاجتماعية المتردية التي طالت شريحة واسعة من أبناء سوريا، سواءً في الداخل أو في بلدان اللجوء..
"ما من عيب يطال متعاطي المخدر وما من شيء ينتقص من مكانته الاجتماعية بل على العكس العيب في من أساسه معيب"، يقول أحد المتعاطين مفسراً.
واللافت في الأمر هنا هو حالة اللاوعي التي يعيشها هؤلاء ضناً منهم أنهم بتعاطيهم سيسرعون عجلة الزمان؛ لتأخذهم مباشرة إلى المستقبل، إلى تلك المنطقة الزمنية التي تضع الحرب فيها أوزارها، غير مدركين أن هذه العجلة لن تأخذهم إلا إلى مكانٍ لا يزيد طوله على المترين وعرضه ليس أكثر من متر.
"وهنا تذهب السكرة وتأتي الفكرة".
يعوّل مراقبون على ارتفاع مستوى تعاطي المخدرات بأشكالها ضمن أوساط المجتمع السوري لعدة أسباب، منها ما يتعلق بالنظام الاستخباراتي الذي وضع كل ثقله لدس بعض تجار المخدرات في صفوف الثورة، ومنها ما يعود لاستمرار الحرب في سوريا لزمن طويل، مما ينعكس سلباً على الجانب النفسي للمواطن، ويدفعه للانخراط في تلك المجتمعات الظلامية، وينتهي الأمر غالباً به إما تحت التراب أو في أحد السجون، وإن حالفه الحظ فسيكون غالباً ضمن إحدى عصابات ترويج المخدرات المنتمي أكثرها لنظام الإجرام الأسدي.
" سأنشق عن جيش النظام.. ولكن هل ستؤمنون لي جرعتي المخدرة وبضع بنات ليلٍ وسيارة فخمة؟".
هكذا كان جواب أحد العناصر المنتمين لما يسمى بالجيش الوطني التابع للنظام عندما طلب منه قريبه أن يترك تلك العصابة ويعود إلى رشده.
هكذا تغيب المبادئ الإنسانية النبيلة، وتختفي ملامح الكرامة، وتسحق وتمحق كل القيم الأخلاقية فيصبح مدمن المخدر مجرماً وسارقاً ومغتصباً ولا يقتصر شره فقط على نفسه، بل على كل المحيط المقرب منه أيضاً فيشكل خطراً محدقاً بهم في أي وقت، ففي حالاتٍ يغيب بها المدمن عن وعيه بسبب اشتياقه لجرعته من المحتمل أن يقتل أقرب الناس له أو أن يبيع أغلى ما يملك رخيصاً.
خلال إقامتي في مدينة شانلي أورفا التركية التقيت بشابٍ كان جاري في سوريا سابقاً، كان هذا الشاب رياضياً محترفاً ومثالاً لأترابه من الشباب اليافع، لياقة عالية، وشكل جميل وهندام وأناقة لا مثيل لهما.
تفاجأت به وبعد سنوات من الغياب، شاحب اللون مكفهر الوجه هزيل الجسم لدرجة أنني لم أتعرف عليه إلا بعد أن تمعنت بصوته وملامح وجهه.
فبدأ الشك يراودني بأن يكون قد أدمن المخدرات، فهذه أعراض الإدمان جلية وواضحة، تمنيت أن أكون مخطئاً ولكن تأكد شكي بعد ثاني لقاء فقد اعترف لي بنفسه، وأضاف أنه لا يجد سبيلاً لترك المخدرات، وأنه مجرد جسدٍ ينتظر منيته، وأنه دخل طريقاً لا عودة منه، وأن الموت أرحم ألف مرة مما يقاسيه.
"في البداية مررت بفترة عصيبة، لم أجد عملاً مناسباً وأنفقت كل ما كنت قد جنيته من فترة عملي في الخليج، إلى أن التقيت ذات يومٍ بشاب كان يعمل ضمن إحدى عصابات الترويج في أورفا، فعرض عليَّ العمل معهم أكثر من مرة، وشيئاً فشيئاً، وجدت نفسي منغمساً بالتعاطي والترويج، لم يكن أمامي حل آخر، أجبرتني ظروفي على أن أختار بين السيئ والأسوأ، ولسوء حظي اخترت الأسوأ بلا وعي".
* (شرعي الحشيش):
خلال أحاديثي المطولة مع بعض الشباب المغترب حضرني موقف طريف رواه أحدهم؛ حيث نشب نزاعٌ بين عصابتي مخدرات بسبب خلل كان قد حصل أثناء عملية تبادل البضاعة تسبب بالقبض على بعض صبيانهم ومصادرة الكمية "التجرة"، كما يسمونها، وبعد أن استمرت النزاعات ومحاولات الاغتيال بينهم لأكثر من شهر، قرر الطرفان الاحتكام لشيخ الكار أو شرعي الحشيش، وهو يكون عادةً أكبر تجار مخدرات في المنطقة وأقدمهم في المجال، الطريف في الأمر أن لهؤلاء محاكم مختصة بفض النزاعات، و(شرعي) وهو الاسم الذي لا ينطبق على المسمى؛ حيث إنهم يصفونه بهذه المصطلح نظراً إلى أنه يحكم بتشريعاتهم.
تبين لي خلال فترة إعداد هذا المقال أنه من السهل جداً معرفة أدق التفاصيل عن مجتمعات تجار المخدرات ابتداءً من أصغر متعاطٍ ومروج لها، ووصولاً إلى رأس الهرم، ولكن من الصعب جداً أن تعرف كل هذه المعلومات وتدخل هذه المجتمعات السرية وتخرج منها مودعاً دون أن تنال نصيبك من الأذى كضريبة لما جمعته من أدلة ومعلومات.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.