أستاذ عدنان إبراهيم

وهنا أحيلك أستاذي إلى إحصائية تعود لوزارة التعليم، التي تبين أنه في عهد المرحوم السلطان عبد الحميد الثاني سنة 1903 كان عدد تلاميذ المدارس التابعة للوزارة يقدر بـ1.375.511 من أصل 20 مليوناً عدد سكان الدولة العثمانية، أي ما يشكل نسبة 7% من عدد السكان دون حساب المتخرجين وتلاميذ الزوايا والمدارس الخاصة

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/21 الساعة 02:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/21 الساعة 02:47 بتوقيت غرينتش

أتذكر قبل 5 سنوات، كيف أخذت قلمي لأكتب أول مقال لي في حياتي مدافعاً عنكَ ضد من اتهمك بالزندقة والنفاق، وها أنا الآن آخذ قلمي مجدداً لأنتقدك بكل أدب واحترام، وبدون تخوين ولا تجريح، آملاً منك أن تراجع نفسك وطريقة خطاباتك التي تقتصر فقط على توصيف حالنا وجلد الذات، فنحن في حاجة إلى من يقدم لنا بدائل وحلولاً للحال البئيس الذي تعيشه أمتنا، فالجميع يعرف الداء وكل ما نحتاجه هو وصف الدواء.

قبل سنوات برزت إلى الواجهة بعد أن ناقشت موضوع معاوية وأهل البيت -عليهم السلام- مما جر عليك انتقادات واسعة، ثم بدأت بقصف حركات الإسلام السياسي وتحميلها مسؤولية مآسي أمتنا الحالية، متجاهلاً الأسباب الحقيقية التي تتمثل في الاستبداد، إضافة إلى غضك الطرف عن جرائم النظام السوري والإيراني، والآن بدأت في مهاجمة الدولة العثمانية، ففي خطبتكم المنشورة في شاشتكم على اليوتيوب تحت عنوان "إطلاق الانحطاط الجزء 1 " قلتم وبدون إبراز أي دليل ولا ذكر أي من مصادركم، إن نسبة التعليم في الدولة العثمانية كانت تصل إلى 2%،

وإنها كانت دولة متخلفة، وإنها لم تكن تتوافر على سكة حديدية قبل 1860، وغير مواكبة للتطور التكنولوجي الحاصل في العالم في ذلك الزمان، إضافة إلى شبهة ألقيتموها في خطبتكم، وهي أن الحضارة الإسلامية عرفت جموداً منذ القرن 8 هجري، أي مباشرة بعد تأسيس الدولة العثمانية، وفي مقالي سأحاول أن أرد على ادعاءاتكم.

في خطبتكم قلتم: إن الدولة العثمانية لم يكن فيها خط سكة حديدية واحد قبل 1860 ميلادية، لا أدري ما كنت تهدف إليه بكلامك هذا، هل قلته عن جهل بتاريخ السكك الحديد، أم قلته عن قصد لتضليل الناس.

أستاذي.. بكلامك ذلك توهم الناس بأن القطار ظهر قبل سنة 1860 بعدة قرون، ودخل الدولة العثمانية متأخراً جداً، مع العلم أن أول قطار بدأ العمل به كان سنة 1825 في بريطانيا، وبعدها بـ30 سنة مباشرة أنشئ أول خط سكة حديدي بطول 130 كيلومتراً في الدولة العثمانية بين مدينتي أيدن وأزمير سنة 1856، وفي سنة 1872 تأسست إدارة السكة الحديدية التي لا تزال تشتغل إلى يومنا هذا.

فالدولة العثمانية أنشأت أكثر من 8000 كلم من السكك الحديدية خلال 50 سنة فقط، وكانت أكبر تلك السكك خط الحجاز الرابط بين إسطنبول والمدينة المنورة، وفي إطار مواكبة التطور الصناعي في القرن 19 في سنة 1875 أنشأ السلطان الشهيد عبد العزيز ثاني مترو أنفاق في العالم، الذي لا يزال إلى اليوم في خدمة سكان إسطنبول، ويربط بين منطقة كراكوي وتقسيم.

أما فيما يخص نسبة التعليم التي ذكرت أنها سنة 1860 ميلادية كانت تقدر بـ2% في ربوع الإمبراطورية، هنا أطلب منك أن تبرز مصدرك ومدى مصداقيته وكيف أجريت تلك الإحصائية في تلك الفترة الزمنية من القرن 19؛ لأن العجيب في الأمر أنك قد أعطيت نسبة لم يعطِها الكماليون الذين كانوا يقدرونها بنحو 8% في محاولة يائسة منهم؛ ليبينوا أن الدولة العثمانية كانت عبارة عن دولة أمية ومتخلفة، لكن الواقع كان مخالفاً تماماً لتلك الأرقام.

وهنا أحيلك أستاذي إلى إحصائية تعود لوزارة التعليم، التي تبين أنه في عهد المرحوم السلطان عبد الحميد الثاني سنة 1903 كان عدد تلاميذ المدارس التابعة للوزارة يقدر بـ1.375.511 من أصل 20 مليوناً عدد سكان الدولة العثمانية، أي ما يشكل نسبة 7% من عدد السكان دون حساب المتخرجين وتلاميذ الزوايا والمدارس الخاصة، التي كانت منتشرة بشكل كبير بداية القرن 20 بالدولة العثمانية، أي أنه إن تم حساب المتخرجين سابقاً وطلبة المعاهد العالية والموظفين في جميع أركان الإمبراطورية وخصمنا الأطفال الصغار الذين هم أقل من 5 سنوات، فإنه يمكننا أن نقول إن نسبة التعليم كانت أكثر بكثير من 50%، هناك قضية أخرى، وهي أنه ما بين سنوات 1908 و1914 كان عدد نسخ الجرائد المطبوعة في إسطنبول لوحدها يقدر بـ100 ألف،

وهذا الرقم نزل بعد 4 سنوات من سقوط الخلافة سنة 1924 إلى 20 ألفاً؛ حيث كانت تصدر فقط 4 جرائد، وهنا أحب أن أشير إلى إحصائية تبين المكر والخداع اللذين مورسا ضد الدولة العثمانية حيث قام رجال أتاتورك في سنة 1927 بإحصاء لنسبة القراءة والكتابة في تركيا ووجدوها تقارب 8% وبدأوا يروجون أنهم ورثوا شعباً أمياً، وأنهم رفعوا نسبة الأمية من 8% إلى أكثر من 54% بعد مرور 25 عاماً فقط من تأسيس الجمهورية، لكن الخديعة التي انطوت على الجميع هي أن هذه الإحصائيات قاموا بها بعد تغير الحرف العربي إلى الحرف اللاتيني، وبالتالى فإنه بعد تغير الحرف صار العالم الذي ألَّف المصنفات وكل من كان يعرف الكتابة والقراءة مضطراً مجدداً للجلوس في المدارس لتعلم الكتابة الجديدة،

وبذلك في تلك الفترة، كل من درس في أوروبا ويعرف القراءة والكتابة بالحروف اللاتينية غير أمي، والباقي عبارة عن جهلة، حتى إن كان شيخ إسلام أو شاعراً له مئات الدواوين، هنا يتضح مدى الخداع الذي مورس لتشويه الإمبراطورية العثمانية.

أما فيما يخص شبهتك في أن الحضارة الإسلامية انتهت في القرن 8 هـ، متجاهلاً بذلك 6 قرون من الدولة العثمانية التي كانت حصناً منيعة ضد هجمات الأوروبيين والروس والصفويين، والتي حمت العرب ومقدسات المسلمين طيلة 4 قرون من حكمها.

أقول لك أستاذي إن العرب منذ أن ضم سليم الأول مصر والحجاز والشام واليمن إلى الدولة العثمانية والعرب يعيشون في أمن وسلام إلى أن ضعفت الخلافة العثمانية في القرن 20، وسقطت دولنا في يد المستعمر، الأتراك هم الوحيدون الذين وقفوا ضد الصفويين وحاصروا طموحاتهم، إضافة إلى مواجهتهم للروس، وكذلك كان لبسط العثمانيين يدهم على البحر الأبيض المتوسط وسيطرتهم عليه دور مهم في الحد من أطماع الأوروبيين، وكان لهم دور كبير في القضاء على الصليبيين بالسيطرة على القسطنطينية وفتح أوروبا الشرقية.

الحضارة ليست فقط فلسفة واختراعات علمية، الحضارة أيضاً نظام حكم وحرب واستقرار ورفاهية.

استاذي.. أعلم أنك واسع الاطلاع ومشهود لك بذكائك وحبك للمعرفة، فأنصحك بالاطلاع على التاريخ العثماني، وأن تتعرف عليه أكثر من مصادره، وستجد فيه ما يعجبك ويسرّك.
والسلام.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد