ما يجب عليك معرفته عن بيانات فيسبوك المسرّبة وخطة الشركة لاستعادة الثقة

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/25 الساعة 04:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/25 الساعة 04:30 بتوقيت غرينتش

بدأ مارك زوكربيرغ عام 2018 بالتعهُّد في "إصلاح فيسبوك". الآن وبعدما خسر 60 مليار دولار من القيمة السوقية للشركة عقب أسوأ أسبوع في تاريخها، أصبحت تلك المَهمة مُلحة أكثر من أي وقت مضى.

منذ انتخاب دونالد ترامب في 2016، اتخذ زوكربيرغ المؤسس المشارك لفيسبوك موقفاً دفاعياً من انتشار الأخبار الكاذبة والإعلان السياسي الموجهة على المنصة. وفي بداية الأمر دحض فكرة أن المحتوى على الموقع أثَّر على الانتخابات، باعتبارها "فكرة جنونية للغاية"، قبل التراجع عن موقفه.

حسب تقرير صحيفة The Financial Times البريطانية يواجه زوكربيرغ الآن تحدياً أساسياً أكثر: استعادة الثقة في شبكة التواصل الاجتماعي. فاكتشاف أن شركة كامبريدج أناليتيكا لتحليل البيانات التي وظَّفتها حملة ترامب الانتخابية، حصلت على بيانات خاصة بفيسبوك جُمعت من 50 مليون شخص، وزُعم أنها استخدمتها لتوجيه الناخبين في الولايات المتحدة الأميركية أثار تساؤلات بشأن حماية الخصوصية. كما أن ذلك الاكتشاف مكَّن من الدعوة إلى تشديد القواعد التنظيمية التي من شأنها أن تعرقل نموذج الأعمال الخاص بفيسبوك.

اعترف: هناك بعض الأخطاء

وقال زوكربيرغ لشبكة سي إن إن الأميركية الأربعاء الماضي 21 مارس/آذار: "إذا أخبرتني في 2014، عندما كنت أبدأ فيسبوك بأن جزءاً كبيراً من مسؤوليتي الشخصية اليوم سيكون المساعدة في حماية نزاهة الانتخابات، لم أكن حقاً لأصدق ذلك". ومع مطالبة السياسيين والمنظمين له بالإدلاء بشهادته، ومع محو بعض المستخدمين لتطبيق فيسبوك من على هواتفهم، اعترف أن الشركة ارتكبت بعض الأخطاء.

أدركت شركة كامبريدج أناليتيكا، أن قوة فيسبوك تكمن في البيانات التي يمتلكها، وحجمه وقدرته على استهداف الأفراد بدقة. وقال كريستوفر ويلي، وهو مبلغ عن المخالفات عمل لدى الشركة ومقرها لندن، لصحيفة "ذا أوبزرفر" البريطانية، إن الشركة خرقت قواعد فيسبوك للحصول على بيانات 50 مليون مستخدم.

ما البيانات التي تسرّبت؟

واستخدمت الشركة بعد ذلك البيانات لوضع ملفات تحليل نفسي تُصنف الناس حسب نوع الشخصية، وبالتالي يمكنها استهدافهم بالرسائل السياسية التي من المرجح أكثر أن تصيب هدفها.

والثغرة التي استغلتها شركة كامبريدج أناليتيكا يمكن ربطها مباشرة بخيارات أقدم عليها زوكربيرغ في السنوات الأولى من عمر فيسبوك، التي ساعدت على تحديد شكل النشاط: عدم اهتمامه بالخصوصية، واندفاعه للانفتاح على المطورين، والسعي وراء نموذج أعمال قائم على الإعلانات الموجهة. لقد تجاهل هو وآخرون بشركة فيسبوك تحذيرات الموظفين والناشطين بأنهم يسلكون المسار الخاطئ.

تقول كيت لوس، كاتبة بيانات زوكربيرغ السابقة ومؤلفة كتاب "The Boy Kings: A Journey Into the Heart of the Social Network"، أو "الصبية الملوك: رحلة في قلب الشبكة الاجتماعية"، إنه عندما قرَّر فيسبوك الانفتاح على المطورين في 2007، كان رئيسها "متحمساً للغاية".

وأضافت أنه "وجد هذا الحماس تعبيراتٍ عنه أكثر بكثيرٍ من المخاوف بشأن الخصوصية. هذا لا يعني القول إنه لم يفكر في الخصوصية، لكن المحادثات عن المنصة كانت مُنصبَّة على كونها مشروعاً تجارياً وإمكانتها التقنية".

وألقى ستيف بانون، المستشار الاستراتيجي السابق للرئيس الأميركي دونالد ترامب وكان في السابق نائب رئيس كامبريدج أناليتيكا، باللوم على فيسبوك، لجمع البيانات التي استخدمتها الشركة لاحقاً. وقال الخميس الماضي 22 مارس/آذار أمام مؤتمر مستقبل الأخبار الذي نظمته صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، إن "فيسبوك هو عمل تجاري". وأضاف: "يأخذون بيانات مجاناً ويبيعونها ويحولوها إلى سبيلٍ لتحقيق هوامش ربح ضخمة… ثم يكتبون الخوارزميات ويديرون حياتك".

بيانات المستخدمين كنز ثمين

أنشئ فيسبوك معتمداً على أن فكرة "المشاركة" كانت طبيعية لجيل جديد. وقال زوكربيرغ في 2010، إن "المفاهيم الاجتماعية" المحيطة بالخصوصية كانت تتغيَّر. وعندما بدأت شبكة التواصل الاجتماعي محاولة تحقيق أرباح، أدركت أن بيانات المستخدم هي كنزها الخاص.

وقال زوكربيرغ لموقع ريكود، المُتخصِّص في أخبار التكنولوجيا، هذا الأسبوع، إنه ربما كان "مثالياً للغاية" في فتح منصة فيسبوك أمام المُطوِّرين.

يقول ديفيد كيركباتريك، مؤلف كتاب "The Facebook Effect"، أو "تأثير فيس بوك": "لقد سمحوا ببساطة لنظام مبني على الإعلانات للخروج عن السيطرة"، مضيفاً: "يمكنك استخدام كلمة جشع إذا أردت أن تكون غير متسامح معهم. لقد أعطوا الأولوية لزيادة الأرباح على حساب الضوابط الاحترازية".

أما بداخل الشركة، فكان القلق يعتري البعض من أن الكنز يغري اللاعبين السيئين. قال ساندي باراكيلاس، المسؤول السابق عن الامتثال وحماية البيانات في التطبيقات في الفترة من 2011 إلى 2012، في إفادةٍ أمام لجنة مختارة من البرلمان البريطاني هذا الأسبوع، إنه حذَّرَ شركة فيسبوك من أنها كانت تفقد السيطرة على البيانات لصالح الطرف الثالث المُتَمَثِّل في المُطوِّرين. وسرد بالتفصيل نقاط الضعف في النظام بما في لذلك قائمة بالتهديدات التي، حتى ذلك الحين، شملت الدول الأجنبية وسماسرة البيانات.

لكن نصيحته لم تَستَرع الانتباه. وسأل داميان كولينز، رئيس لجنة الثقافة والإعلام والرياضة: "إذاً يبدو وكأنهم غضوا الطرف لأنهم لم يريدوا معرفة الحقيقة؟"، وأجاب باراكيلاس: "كان هذا انطباعي، نعم".

حتى المنظمون علِموا بالتفصيل كيف أعطت شركة فيسبوك المُطوِّرين إمكانية الوصول للبيانات. وقدم ماكس شرمز، الأسترالي الذي كان يدرس القانون في الثالثة والعشرين من عمره آنذاك، 22 شكوى إلى مفوض حماية البيانات الأيرلندي في أغسطس/آب 2011. وتناولت إحدى الشكاوى بالتحديد المشكلة التي أظهرتها الكشف المتعلق بشركة كامبريدج أناليتيكا. واشتكى من أن شركة فيسبوك ليس لديها طريقة للسيطرة على ما فعله المُطوِّرون بالبيانات، ويمكن للتطبيقات استرجاع بيانات أصدقاء المستخدم دون الحصول على موافقة. وقال شرمز إن هذا ينتهك القانون الأوروبي لحماية البيانات.

عندما حقَّق المنظم الأوروبي، في أيرلندا، حيث يوجد المقر الدولي لفيسبوك، في الأمر، أوصى الشركة بتعديل إعداداتها لتصبح أكثر سهولة للفهم. عندما جعلت شركة فيسبوك المعلومات "أوضح" وجدت أن الاستخدام "مُرضٍ".

وأجرت شركة فيسبوك تغييرات مهمة على منصتها في 2015، عندما قيَّدَت حجم المعلومات التي يمكن للتطبيقات الوصول إليها بشأن أصدقاء أحد المستخدمين. والآن، تعد شركة فيسبوك بالتحقُّق من كل التطبيقات التي جمعت كمياتٍ كبيرة من البيانات لتتبُّع أين انتهى المطاف بتلك البيانات.

ما مصير البيانات التي جُمِعَت بطريقةٍ غير شرعية؟

قال مُتحدِّث باسم فيسبوك: "نحن ملتزمون بشدة بحماية معلومات الأشخاص"، مضيفاً: "كما قال مارك زوكربيرغ، هذا الأسبوع، نحن نعمل بجد لتعقُّب إساءة الاستخدام السابقة، ومنع إساءة الاستخدام في المستقبل وإعطاء الأشخاص ضوابط أوضح".

لكن البيانات التي جُمِعَت بطريقةٍ غير شرعية قد تكون أُدمِجَت بالفعل في نماذج، ما سيُصعَّب تحديد نتائجها. وأعلن زوكربيرغ أيضاً عن تغييراتٍ لحماية بيانات المستخدم من المُطوِّرين. وتأتي هذه التغييرات بعد سنواتٍ من علم الشركة بالمشكلة، بينما لم تعالج المشكلة الخاصة بكيفية استخدام شركة فيسبوك نفسها البيانات.

ويدرس المُشرِّعون والمنظمون في أوروبا والولايات المتحدة، حيث وقَّعَت شركة فيسبوك اتفاق خصوصية مع لجنة التجارة الفيدرالية في 2011، المشاكل التي تفرضها الأعمال التجارية المُتعطِّشة للبيانات. والسؤال هو كيف ننظِّم هذه التكنولوجيا متسارعة التغيير، دون تحطيم نموذج الأعمال الخاص بها.

وقال زوكربيرغ هذا الأسبوع، إنه لا يعارض وضع أسس تنظيمية لشبكة التواصل الاجتماعي، هو يرغب فقط في أن تكون "المناسبة". والمثال الذي استخدمه كان مشروع القانون المقدم من الحزبين المتعلق بتنظيم الإعلانات الانتخابية على الإنترنت عبر الشركات الموجودة على شبكة الإنترنت، والذي اقترحه في الولايات المتحدة أعضاء مجلس الشيوخ مارك وارنر وآيمي كلوبوشار وجون ماكين، ويدعو إلى مزيد من الشفافية حول الإعلانات السياسية على الإنترنت. يعتقد آخرون أن عملية التنظيم تحتاج إلى أكثر من ذلك، وربما حتى حظر الإعلانات السياسية على الشبكة.

لن يضر إجبار الحملات السياسية على نشر جميع الإعلانات التي تديرها على الصفحة نفسها، وإجبار فيسبوك على الإفصاح عن المعلنين، بالتوقُّعات المالية للشركة. فالإعلانات السياسية هي شريحة صغيرة فقط من إجمالي الإعلانات. وحتى وإن امتد الأمر لكل المُعلِنين، فإن القانون لن يضر بالأرباح: فبائعو الجوارب والصابون لا يخجلون من نشر موادهم الدعائية.

أوروبا من المُرجَّح أن تضع أسساً تنظيمية لفيسبوك

وقال ديفيد مارتين، وهو موظفٌ قانوني كبير بالمنظمة الأوروبية للمستهلك: "المشكلة الأساسية هي أن نموذج الأعمال الخاص بفيسبوك، مثل جوجل وآخرين كثيرين، يعتمد على الرصد التجاري المستمر". ويعتقد مارتين أن سلطات إنفاذ القانون "عليها مراقبة" فيسبوك عن كثب "بالنظر إلى الكميات الهائلة من البيانات الشخصية التي تتعامل معها الشركة، وطبيعة عملها، وقوتها السوقية، وسجلها الضعيف".

ويبدو أن أوروبا من المُرجَّح أن تضع أسساً تنظيمية لفيسبوك أكثر من الولايات المتحدة. وغُرِّمت الشركة بالفعل في أوروبا لاستعانتها بياناتٍ جلبتها من تطبيق واتساب، وهو تطبيق المحادثات الذي ابتاعته في 2014. الشهر الماضي، في بلجيكا صدر أمر للشركة بالتوقف عن تعقُّب الأشخاص الذين لم يستخدموا فيسبوك أثناء تصفُّحهم للإنترنت.

واعتباراً من مايو/أيار المقبل، سيكون على الشركة الامتثال إلى اللائحة العامة لحماية البيانات الخاصة ببروكسل وإعطاء المستخدمين الفرصة للمشاركة بدلاً من عدمها في بعض خدمات مشاركة البيانات. ويناقش الاتحاد الأوروبي أيضاً توجيهات بشأن الخصوصية الإلكترونية، والتي إذا جرى إقرارها، يعتقد مارتن أنها ستكون ذات تأثير على النشاط التجاري لفيسبوك، لأنها ستَحُد بشكل كبير من تتبع سلوك المستخدمين عبر الإنترنت.

يأمل بعض النشطاء في أن تنتهي أوروبا إلى وضع معيار عالمي للخصوصية، إلى جانب اللائحة العامة لحماية البيانات الخاصة. مع ذلك فقد أصدرت شركة فيسبوك بالفعل منتجات في الولايات المتحدة تخرق القواعد الأوروبية. وقالت العام الماضي إنها ستستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد الأشخاص الذين ربما يفكرون في الانتحار وستبلغ عنهم موظفي الاستجابة لتلقي المساعدة. لكن القواعد الأوروبية لا تسمح بفرز المنشورات على فيسبوك، لمعرفة الصحة العقلية للمستخدم. وليس من المُرجَّح أيضاً أن يسمح باستخدام تطبيق فيسبوك ماسنجر للمحادثات الخاص بالأطفال في أوروبا، لأنه رغم الحماية المشددة للخصوصية التي توفرها فيسبوك لذلك التطبيق أكثر من تطبيقها الرئيسي، فإن أوروبا ستقيِّد العمر الذي يمكنك عنده استخدام شبكات التواصل الاجتماعي.

قواعد أكثر صرامةً ستكلف فيسبوك

يقول جاكوب ميتكالف، الباحث بمؤسسة البيانات والمجتمع البحثية الأميركية، إن المنظمين يتحتَّم عليهم فحص ما إذا كان يجب السماح لفيسبوك ومنصات أخرى باستخدام بيانات المستخدمين لتحديد اهتمامتهم، وبالتالي التأثير عليهم وتوجيههم، مضيفاً أنه إذا لم تكن هناك طريقة للمُعلِنين للوصول إلى مجموعات صغيرة جداً من الأشخاص باستخدام تلك البيانات، فلن تكون هناك فائدةٌ كبيرة من جمع الكثير منها. وقال: "هناك أنواع من التنميط واستهداف المجموعات الصغيرة لا ينبغي لنا التساهل معها فقط". وتابع: "لا يوجد سبب لوجود تقييم نفسي خاص بي".

قدرة فيسبوك على توجيه المستخدمين هي الوصفة السرية التي ساعدته في الهيمنة على سوق الإعلانات الرقمية إلى جانب شركة جوجل. وشركة جوجل التي تدير أحد أشهر محركات البحث في العالم، تعرف ما تبحث عنه أنت، وتعرف فيسبوك هويتك. ويمكنه اختيار عرض إعلانات محددة على أشخاص بسبب موقعهم، أو اهتماماتهم، التي جرى جمعها من عمليات التصفح التي أجروها على الشبكة أو خارجها، أو بسبب وجودهم في قائمة البريد الإلكتروني التي وضعتها جهات التسويق، مما يسمح للمُعلِنين بجلب بيانات أخرى من حساباتهم الشخصية أو وسطاء البيانات.

إذا وضع المنظمون قواعد أكثر صرامةً لجمع البيانات أو استهداف المستخدمين، فقد يكون ذلك مكلفاً لشركة فيسبوك، التي حققت صافي أرباح العام الماضي، بلغ 16 مليار دولار. وأشاد أحد المُحلِّلين بزوكربيرغ، لعدم تعهُّده بإجراء تغييراتٍ أكبر على الخصوصية، يمكن أن تكلف حملة الأسهم.

لكن ميتكالف يشير إلى أن الانخفاض في سعر أسهم في فيسبوك، مع شعور المستثمرين بالقلق بشأن غراماتٍ مُحتَمَلة وفقدان مستخدمين، قد يكون دليلاً على أن المخاوف بشأن الخصوصية مكلفة بالنسبة لفيسبوك.

ويقول: "كانت هناك خسارة تصل إلى 60 مليار دولار من القيمة السوقية. لقد كلف ذلك زوكربيرغ شخصياً كماً هائلاً من الثروة"، مضيفاً: "إذن، إلى كم من هذه الفضائح تحتاج المنصات في مجملها، لتقرِّر أن الفائدة الهامشية التي تُكدِّسها نظير جمع بيانات كثيرة للغاية حولنا فقط لا تستحق السعر؟".

علامات:
تحميل المزيد