في قطاع غزة المكتظ بالسكان، تندر ثقافة تربية الحيوانات، فهي توجد لدى أشخاص قليلين جداً لا يشكلون نسبة تُذكر من سكان القطاع، الذي نشأ شبابه وأطفاله على آلام الحصار ودوي القصف، فكانت فرص مثل هذه الأنشطة ضعيفة.
ولكن، هناك من أراد أن ينشر هذه الثقافة بين أطفال القطاع الذين يتطلعون إلى حياة طبيعية كأقرانهم في كل العالم.
رشيد عنبر (32 عاماً)، من بين الأشخاص الذين يعشقون تربية الحيوانات واللعب معها في القطاع، أطلق مبادرة جديدة ومختلفة للمساهمة في تعليم الأطفال تربية الحيوانات والتعامل معها بطريقة صحيحة تجذبهم لها.
150 طفلاً يشاركون في مبادرة "صديق الحيوان"، التي أطلقها رشيد لتعليم الأطفال كيفية التعامل مع الحيوانات، والتي استوحاها من حب أطفاله الحيوانات، بعد أن رأى في نفسه القدرة على نقل حبه الحيوانات إلى الأطفال وجعلهم يتقبلون فكرة مرافقة الحيوانات واقتنائها في بيوتهم.
لماذا كل هذا الحب للحيوانات؟
أخبر رشيد عنبر "عربي بوست" عن سبب حبه للحيوانات، قائلاً: "أنا أربي الحيوانات والطيور وأتعامل معها منذ 24 عاماً حتى الآن، حيث كنت في طفولتي مع والدي الذي كان يربي ببغاوات في السعودية، وعندما عدنا إلى غزة بدأت أربي طيور مثل الحمام والدجاج وطيور الكناري الزينة، ولم أترك أي يوم من حياتي من دون تربية طير أو حيوان، فاكتسبت خبرة كبيرة خلال هذه الفترة بكيفية التعامل مع الحيوانات".
أما عن فكرة مبادرة "صديق الحيوان"، فيقول رشيد عنبر إن الفكرة جاءته من حبه للحيوانات، ومن مشاهدته تعلُّق وحب الأطفال الحيوانات والتمتع بالنظر إليها من بعيد، "ولكن لديهم الخوف والرهبة من لمسها؛ لذلك أحببت أن أنشر ثقافة التعامل مع الحيوانات والعناية بها".
وعن الفئة العمرية التي يدربها عنبر، يقول: "اخترت الفئة العمرية ما بين 4 سنوات و15 سنة؛ ففي هذه المرحلة العمرية تستطيع تدريب الطلاب وإقناعهم بالكثير من الأشياء، خاصة أنها مرحلة النضج واكتشاف العالم الخارجي والتعامل بشكل ملموس مع الكائنات كافة من حولهم، وركزت اهتمامي على الأطفال الذين يخافون من الحيوانات الأليفة".
وأضاف أن بداية التدريب يكون بتعريف الأطفال على الحيوانات الموجودة والتمييز بين الأليف والمفترس وكيفية التعامل معها، والأهم من ذلك تعليم الأطفال الرفق بالحيوان، والنشاطات عبارة عن شرح عن الحيوانات الأليفة وصديق الإنسان ومحاولة دمجهم في أنشطة مع الحيوانات مثل الببغاء والقطط والهامستر والكلاب وتعليمهم طريقة العناية بها.
وتابع: "لاحظت أن الحيوانات التي يقْبل عليها الأطفال دون خوف هي القطط والطيور المدربة والأليفة، بالإضافة إلى أسماك الزينة والكلاب، والببغاوات الناطقة".
وأضاف قائلاً: "لا شك في أنه يحدث تغيير لوجهة نظر الطفل وإقناعه بالارتباط بالحيوان بعد التجربة الأولى مع الحيوان المدرب والأليف، وذلك بمحاولة جعل الطفل يلمس الطائر والحيوان الأليف، فعندما يرى رد فعل الحيوان هادئاً يتقبله ويحب التعامل معه مرة أخرى".
يُحضر رشيد الحيوانات والطيور من مزرعته الخاصة التي يقيمها بأرض صديقه؛ لعدم توافر أرض خالية له، ويصطحب الأطفال إلى هناك للتعرف عليها، قائلاً: "إن الأنواع الموجودة بها هي هامستر، وحمام ماسي وطائر الحب والكوكتيل والبادجى (ببغاء أسترالي)، وسناجب وقطط وكلاب وأسماك الزينة المستوردة بألوانها الجميلة وأفاعٍ".
كيف يتصدى للأمراض؟
مكَّنت التجربة الطويلة رشيد من تعلُّم كيف يكتشف مرض الحيوان وكيف يداويه، وعن هذه التجربة يقول: "عندما أصبحت بعمر 16 عاماً، بدأت بتربية الببغاوات الناطقة، والقطط المستوردة والكلاب، وبدأت بمعرفة سلوكها وأنواع أمراضها وطرق علاجها، وكونت مزرعة صغيرة للإنتاج كمصدر دخل، من هنا تعلقت بهم وامتلكت خبرة في هذا الوقت، بدأت العمل بمجال الطفل حتى وقتنا هذا".
وأضاف أنرد فعل الأهالي كان متوافقاً مع أطفالهم، فعندما رأوا مدى حب أبنائهم الحيوانات وإقبالهم على فكرة امتلاك حيوان أليف أو طائر تشجعوا كثيراً على استمرار تدريب أبنائهم على الرأفة في التعامل مع الحيوانات، خاصة القطط التي يهرب منها الأطفال كثيراً، على الرغم من أنها حيوان أليف جداً.
والأهم من ذلك، عندما رأى الأهالي تجاوب أطفالهم مع الحيوان الذي يحبونهم تقبلوا فكرة وجود حيوان صديق لطفلهم في المنزل، على حد قوله.
من بين الأطفال الذين يتدربون مع رشيد عنبر؛ هزار الشريف (11 عاماً)، وأحمد الغلاييني (9 أعوام)، والطفلة لوجين الشريف (5 أعوام)، الذين عبروا عن فرحتهم بهذا التدريب، حيث قال الطفل أحمد: "كنا نخاف من الكلاب عندما رأيناها لأول مرة، ولكن بعدما لمسناه ولم يؤذِنا أحببناه وطلبت من والدي أن يشتري كلباً صغيراً؛ لكي ألعب معه في البيت وأحافظ عليه".
أما هزار، فهي أحبَّت الببغاء الذي ينطق اسمها ويكرر كلامها بشكل مستمر، قائلةً: "الببغاء شكله جميل، كنت أعتقد أن منقاره يأكل يدي، ولكن بعدما لمسته ولعبت معه عرفت أنه ينطق اسمي، وهو ذكي مثلي أنا؛ لهذا طلبت من والدتي أن يكون لدي ببغاء في المنزل، شكله وصوته جميلان".
بهذه المبادرة المميزة والمختلفة، استطاع رشيد عنبر أن يجعل الأطفال يألفون ويحبون الحيوانات، فقد رأى أنهم يملكون براءة تشبه براءة الحيوانات، فهو ينظر للحيوان بأنه طفل صغير، يستطيع اللعب معه وتدريبه كيفما شاء.