قرأت منشوراً لأحدهم، يتحدث عن أهمية الضرب في التربية، متعللاً بأن النموذج "الأميركي" في التربية هو تدليل وليس تربيةً، يتسبب في تنشئة أطفال "مخنَّثين" "ومجادلين" ولا "يحترمون الكبير" ويتخلَّون بسهولة عن الثوابت الإسلامية؛ بسبب تعلُّمهم "الجدال" الذي أنتجته هذه التربية "المايعة"
استشهد السيد بأن الإسلام أمرنا بضرب الأولاد على الصلاة، واستشهد على سوء التربية الحديثة -كما يسميها- بأن أسلوب "النوتي تشير"، الذي بدا واضحاً من كلامه أنه لا يعرف غيره ولا يعرف أن الدراسات الحديثة التي لا تروق له أثبتت أنه أسلوب خاطئ في العقاب من الأصل!
وددت أن أردَّ عليه في تعليقات المنشور، ولكنني أبَيت أن أدخل معه في سجال لا يليق، ثم وجدت تعليقاتٍ مؤيدةً ثم أشخاصاً مترددين، فكيف يكون شخص "مثله" وقد علمت للتو أنه من مشاهير الفيسبوك، كيف يكون مخطئاً!
قررت في النهاية أن أكتب عن الأمر لا ردّاً عليه وإنما إبراءً للذمة أمام الله ومن باب عدم كتمان العلم، في زمن اختلط به الحابل بالنابل وأصبحت الضالات تُنشد على مواقع التواصل الاجتماعي وليس في الكتب وعند أهل العلم، ولا حول ولاقوة إلا بالله!
قبل أن أتحدث، أود الإشارة إلى أنني مهتمة بدراسة كل ما يتعلق بالتعليم والتربية منذ 4 سنوات على الأقل وعلى وشك إنهاء دراسة الماجستير في مجال التعليم، كما أنني أصنَّف كـ"إسلامية"، ولست من دعاة التفرنج كما اتهم الفاضل كل من يستخدم أسلوباً تربوياً لا يتناسب مع رؤيته الشخصية
السيد الفاضل أشار إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرِّقوا بينهم في المضاجع" (أخرجه أحمد وأبو داود).
للأسف، فإن أغلب المستشهدين بهذا الحديث يأخذون نصفه الآخر دون الأول.. يقول صلى الله عليه وسلم: "مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين"؛ أي إن الأهل سيقومون بتقديم وتعليم الصلاة لمدة 3 سنوات، يستنفدون فيها كل جهد وكل علم قبل أن يضطروا إلى الضرب عند العاشرة.
والضرب في الإسلام حدده علماؤه وفقهاؤه بحدود، فلا يكون غرضه الإيلام، ولا الإهانة، وبتجنُّب أماكن المهانة من الجسد، وإنما يكون التنبيه والتأديب. وكل هذا عن الصلاة التي هي عماد الدين وفرق المسلم من الكافر.
لم أجد في الإسلام ما يدعونا لإهانة الطفل بغرض التأديب، كما قال السيد الفاضل "اتعدل يا روح أمك لأعدلك " لابنه حتى يحترم الكبير!
ببساطة، يا سيدي، الطفل مرآة والديه؛ إذا رأى احتراماً كان محترماً، وإذا سمع سِباباً وبذاءة فسيكون بذيئاً، وإذا ضُرب فسيضرب وإذا أُهين فسيُهين.
لذلك، حضَّنا الإسلام على أهمية القدوة في أكثر من موضع، واحترم النبي -صلى الله عليه وسلم- حق الصغير فاستأذنه، وأمرنا بأن نبرَّ أبناءنا حتى يبرونا، في إشارة واضحة إلى أن الجزاء من جنس العمل.
لن أفيض أكثر فيما يتعلق برأي الإسلام في الأمر.
السيد الفاضل استشهد بأن الأطفال في فرنسا أكثر جَلَداً وقوةً ولا يُصابون بمرض فرط نشاط الحركة؛ لأنهم يُضربون على الوجه والمؤخرة، وربما لم يسمع الفاضل عن عنصرية الفرنسيين؛ بل لم يسمع نفسه عندما طالب بعدم الاقتداء بالغرب!
استشهد كثيراً بأن الأسلوب الأميركي في التربية أسلوب النوتي كورنر، وحصر كل ما توصل إليه العلم في تقنية أثبت الغرب نفسه في دراساته الأخيرة عدم فاعليتها!
هناك فرق بين تنشئة أطفال أقوياء يجادلون بالحق ولا يخشون أحداً إلا الله، يعرفون دينهم ويلزمون حدود شرع الله، وتنشئة أطفال سيمتهم الفظاظة، وجدالهم بالبذاءة، ويخشون العصا وحدودهم ما حدَّ الأقوى من البشر.
هناك فرق بين تنشئة المخنَّث وتنشئة الكريم، السهل اللين، الذي يزدان عمله وقوله بالرفق
منذ يومين، أخبرتني ابنتي بأن كلمة "حضرتك" عندما تقال بنبرة حادة يُظن منها الإهانة، واعتذرت مني إن كنت فهمت أنها تُهينني لأنها قالت لي "حضرتك" وهي متضايقة!
كيف كان لها أن تصل إلى هذا الحس المرهف لو كنت أعنِّفها وأضربها؟!
ابنتي هذه أيضاً تلعب الأقواس والسهام وتحب أن تركب الخيل وتتوق إلى تحرير الأقصى، وحدودها دائماً "هو ربنا وسيدنا محمد اللي قالولنا كدا؟"، وهي أيضاً فتاة رقيقة تحب الزينة وما تحبه الفتيات، ليست مخنَّثة وليست "مسترجلة".
أمراض فرط الحركة وعدم الانتباه وغيرها من صعوبات التعلم والنطق، تتسبب فيها عوامل جينية وبيئية، على رأسها أسلوب التربية المهمِل والجاف والتعرض لأجهزة إلكترونية فترات طويلة، وغيرها مما لم يذكر عدم الضرب ضمنه.
"ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت"، و"ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما انتُزع من شيء إلا شانه"، بِرُّوا آباءكم تبركم أبناؤكم"، وطليس المسلم بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش البذيء"، ز"ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا".
أبناؤنا أمانات، فلنتقِّ الله فيهم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.