يقابل الإنسان روحَه كل مرة، والغريب أنه لا يتمكن في كل حين من التعرّف عليها رغم تعلقه الحاد بها، يقابل روحه ويعجز عن إبداء التحية لعمقه المثير للشفقة، أين تُثار كافة المشاعر الوجدانية، ويغرق الصخب المحيط بالفرد الإنساني في سلة الظلام الصامت بشكل مفاجئ، إنها لغة غريبة جداً لمن لا يدرك معنى الغرابة، لمن يغالط الوجود من أجل حصر الروح المتعالية بين محيط شائك من المواد والجمود.
للعالم البشري حقيقته الخالصة ضمن هذا الكون الروحي المترنح بين الفينة والأخرى، حينما يخفق القلب وينزف الشعور طالباً الدمع المريح من عيون تأبى أن تكون سجينة آخر المقل.
للإنسان تفسيرات كثيرة تدّعي التواجد ضمن الحقب المختلفة، للفرد الإنساني سخط ما على ما يدلّ عليه الاقتياد المجازف أمام أمواج كل عتيق يرغب بالبقاء ضمن حيرة الإبداع، إنها من المؤثرات الخاصة والخالصة لدى الإنسانية الغالية.
هناك آثار مرتفعة الحدة على الروح الإنسانية حينما يتعلق الوقع الذي يسقط عليها ضمن خانة الارتياح الغريق المحفوف بواقع صلب، ما من خطوة بإمكانها أن تعزز بقاء الإنسان أكثر السماحة أو من الرحمة، الرحماء بينهم هم القادة الفعليون لكافة الموجودات البشرية بغض النظر عن أوّل وآخر عمالقة الفكر على اختلاف رواده الإنسانية، إنّ كلّ فرد قادر على صناعة الفكرة هو إنسانيّ خالص التواجد وآخذ بالبقاء رغم كافة العراقيل والمعطيات؛ لأنّ للروح وضعيات تتخذها على اختلاف الوقائع والظروف المحفوفة بالشروط العامّة.
إنّ الإنسان يبقى أغلى الجواهر الروحية على الإطلاق؛ لأنه أرسى هذه المفاهيم منذ زمن بعيد، إنه الوحيد الذي صمد أمام التيارات التي اجتاحت كيانه من أجل تجميد علاقاته الخاصة لدى مختلف المواقع الحسية بشكل قاسٍ للغاية، كان الهدف ولا يزال: لفت الأنظار بعيداً عن كل ما هو روحي محض؛ من لا يفهم روحه من بني الإنسان هو ذاك التائه الذي لا يتمكن من إرفاق موازين بقائه بآليات وجوده البعيد، ما أبعد صاحب الروح المتجمدة بين أكناف المادة عن الوجود، سيعاني بشكل غير قابل للجدل، وهذا ما سيجعله أقرب للمعاناة من قربه للحياة.
اقترب من روحك قدر المستطاع، ستجد معنى الحياة في داخلك، ستسكن ملجأك عندما تدخل روحك من أوسع أبوابها، ثمّ تلتفت بلهفة لكي تحكم إغلاقه مخافة عليه، مخافة على روحك.
عندما تقلب روح الإنسان ستنقلب ذاته كلها بحمولاتها المتعددة، ومضامينها المحكمة، وفي رمشة عين تستطيع إخفاء تجلياتها بشكل غريب، ستحمل آخر المكامن من أجل إعطاء صورة جادة عما يفعله الإنسان، عما تؤديه اللغة المربوطة بما يوجد في الداخل الإنساني رغبة منه في الإبقاء على آخر مكونات الإنسانية؛ لأن تهديد هذه الأخيرة هو آخر السبل للدمار الروحي الشامل الذي سينهي الإنسان من جذوره.
الإنسان هو موجود روحي في الأساس، لا يمكن لأيّ كان أن يهدم هذه الحقيقة الخالية من كافة توابل الغرق المادي، إنه من أهم وأقدر الموجودات على التمسك بروحه؛ لهذا يتعرض لهذه الحملات الشرسة التي تؤسس لفنائه بشكل مدمّر، ومع ذلك لا يزال صامداً، لا يزال يختزل الزمن من أجل البقاء ضمن الحياة، ضمن الـروح.
إقامة البقاء من قضايا الإنسان التي تستعصي على الوجود المتبقي لدى كل فرد، لكل منا، نحن بني البشر رصيد روحي نحميه بكل قوانا وحرقتنا الغزيرة، لكننا نعلم مسبقاً أنّ الحياة وعلى الرغم من كافة المظالم التي تسودها، فإنها تحتوي على جزء يسير من العدالة التي تجعل كل إنسان يتفاءل، يحمل الكثير من الأمل.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.