ما رأيته في المدينة المنورة!

تعلقَ قلبي بذالك المكان لم يكنْ بوسعِي تركه ، قضيتُ أجمل أيام حياتي بشعورٍ مخلصاً بالعبادةِ ، وجدتُ الحياةَ الحقيقيّة التي توصلنا إلى الجنةِ ، الرهبةُ الصادقةُ بمعانيها المختلفة .

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/04 الساعة 04:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/04 الساعة 04:05 بتوقيت غرينتش

لأوّل مرّةٍ ذهبت إلى المدينةِ المنورة ….وعندما كنت أقترب أكثر وأكثر على بعد مسافةٍ قصيرة رأيت ما لم أر من قبل ، نورٌ يتجلى فوق المآذن والقبب ، وشعرتُ براحةٍ وسكينة تخترق أعماقي بأمان ،الحياة المختلفة والمثالية والمنتظمة كما الكون ،الهدوء الذي يشعشعُ بضيائه جميع أرجاءِ الحرم ، وقلوبٌ يسكنها الإيمان والتواضع ، عالمٌ فريدٌ رأيته بصورةٍ مختلفة عن ما نشاهده في التلفاز ، البراعة الإيمانية والعبادة أوضح وأبهى كما رأيت بأمّ عيني ،التفكّر بعظمة الله والخشوع في الصلاة والتوحد بين جميع الأمم .

لكنْ من أين أتى هذا النور؟ هل لأنه مكان عبادة؟ أم لأنه مسجداً بامتدادِه الواسع؟

قال الشاعر كعب بن زهير في قصيدته (البردة ):
إن الرسول لنورٌ يُستضاء به مُهندٌ من سيوف الله مسلولُ
هذا ما رأيت:
نورُ رسولنا الكريم محمد (صل الله عليه وسلم) يعمّ أرجاء المدينة المنورة ويضيء أرجاء المعمورة كلها ،كم كنت أزداد شوقاً لرؤية الروضة الشريفة عندما وصلت المسجد النبويّ ، أن أحدّث رسولنا الكريم وأن أخبرَه بسلامِ محبيِه ، أن أطلب منّه العفو ولقائه في الجنّة ، وأن أصلي لله ركعتين ، أن أتجرد من الكبرياء….وشعرت بعمق المناجاة الحقيقية التي كانت تذرف مع دموعي بخشوع ، المشاعر المختلطة التي امتزجت ما بين الحلم والواقع !

حين وصلت إلى الروضة الشريفة ، فوجئت بتلك الأعداد الكبيرة ممن يتسابقون لزيارة قبره ، هنا عدة أسئلة بدأت تعج في ذاكرتي ….كيف أستطيع الوصول؟ ماذا لو انتقلت إلى مكةِ المكرمة لأداءِ العمرة دون أنْ أتمكن من زيارتِه؟
هنا بدأ الصراع يضجّ في ذاكرتي والشوق يتفجّر في قلبي ،شعورٌ غريب لا أجيد وصفه ولحظاتٍ لا توصف !

في المرة الأولى لم أستطيع الوصول ،وأيضاً المرة الثانية ….أيعقل أنّي قطعت المسافة البعيدة بكل شوقٍ وحب للوصول إلى المدينة المنورة ! مروراً بالحواجزِ العسكريّة التي فرضها علينا الاحتلال…دون أن أتمكن من رؤيةِ قبر الرسول محمد (صل الله عليه وسلم) !
في اللحظةِ الأخيرة قبل الذهاب إلى مكة المكرمة ، تحقق حلم سنواتٍ طوال…. رأيت النور عن قرب ، ألقيت السلام على أشرف الخلق والمرسلين سيدنا محمد بن عبد الله ، شفيعنا يوم القيامة الذي قال:"أمتي أمتي".

تعلقَ قلبي بذالك المكان لم يكنْ بوسعِي تركه ، قضيتُ أجمل أيام حياتي بشعورٍ مخلصاً بالعبادةِ ، وجدتُ الحياةَ الحقيقيّة التي توصلنا إلى الجنةِ ، الرهبةُ الصادقةُ بمعانيها المختلفة .

فنحن نعتز بسنةِ نبينا الخالدة إلى هذا اليوم وبدينه المشرق الذي يعمّ أرجاء الأرض وكما ورد في كتاب الله عزوجّل بأنّ ديننا هو دين الحق والثبات.
قال تعالى:(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون) الصف:9
بعد تلك اللحظة بدأت أدرك الاختلاف بين المدينة المنورة ومكة المكرمة ، رغمّ العظمة والشموخ الذي شاهدته واستشعرته عندما لمحت عينايّ الكعبة المشرفة ، وجدت أنّ لكلّ مكانٍ هيبته الخاصة ، وأدركت الشعور الذي يفسّرُ الصلاة أمام الكعبة مباشرة ، وهي القبلة التي نصلّي اتجاهها دون أن نرى الكعبة المشرفة ، لكنّ السرّ يكمن في الطوافِ بكلِ خشوعٍ والاقتراب من الحجرِ الأسود.

مكة المكرّمة نقطة التقاء جميع من في بقاعِ الأرض التي جعلها الله مثابة للناسِ وأمناً ، لأداء مناسكهم براحةٍ واطمئنان ويرجون رضا الله وعفويه ونيل الأجر المضاعف في الصلاة والأعمال الصالحة ، حيث روى أبو داود والترمذي عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَرَمْيُ الْجِمَارِ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ ).

فالحياة يكمن سرَها في الإيمان ،وقوة التعلق بالله والسير قدماً نحو الطاعة ،لنيل رضا الله وتوفيقه ،فالأيام الجميلة مرهونةً بما تصنعه النوايا وتختلج فيه القلوب ،لأن الرّوح جوهر الجسد وانعكاس أفعاله ،وما يعطينا الأمان هو التوكل على الله ونور كتابه الكريم !

فالحتمية الحقيقيّة التي تلزمنا ، النقاء الداخلي ثم الشعور بالقوة من الله ،والتقدم نحو الحياة بخطوةٍ بسيطة تبعد عنا مسافة قصيرة كي نجيد حساب أمورنا بدقة ،هذا كفيل بجعل كل شيء حولنا متزن لكي نتأرجح على سلم الحياة بسلام وإتقان.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد