بينما يواجه الشرق الأوسط ملفات ساخنة هي الأكثر إلحاحًا على الساحة الدولية، لما تتضمنه من حروب دائرة، لم تقتصر على البلدان العربية وإنما امتدت آثارها إلى دول أوروبية، يترقب العالم من سيكون رئيس الولايات المتحدة الأميركية القادم، وهو ما قد يمهد الطريق إلى استراتيجيات دولية مختلفة في التعامل مع هذه الملفات بالغة الخطورة.
وبحسب ما يراه محللون فإن هناك 5 ملفات أساسية في الشرق الأوسط تطرح نفسها على الساكن المرتقب الجديد للبيت الأبيض وهي: الأزمة السورية التي دخلت عامها السادس دون حل يظهر في الأفق، ومسلسل الفوضى الليبية على الصعيد السياسي والأمني، ومكافحة تنظيم "داعش" الذي تحول بعملياته الإرهابية غربا لتعويض خسارته شرقًا، وكذلك أزمة اللاجئين المتفاقمة، وأخيرًا القضية الفلسطينية ومفاوضات السلام مع إسرائيل.
وفي محاولة للوقوف على استراتيجية ومواقف المرشحين الأميركيين للرئاسة، دونالد ترامب، عن الحزب الجمهوري، وهيلاري كلينتون عن الحزب الديمقراطي، وسياستهما الخارجية في التعامل مع هذه الملفات، رصدت وكالة الأناضول آراء الاثنين بشأن تلك الملفات من خلال تصريحاتهما المختلفة.
الأزمة السورية وتعقد الموقف:
– ترامب: "لا يرى تعقيداً للموقف في سوريا"، هكذا وصف مراسل صحيفة "الغارديان" البريطانية موقفه من الأزمة عندما أجرى مقابلة معه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، استناداً لموقف المرشح الجمهوري تجاه رئيس النظام بشار الأسد، وجماعات المعارضة حيث يرى كلاهما بصورة سيئة، وكذلك رؤيته بشأن الجهة التي يجب أن تقاتل هناك، وهي روسيا وليس الولايات المتحدة، رغم رأيه أن "الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رجل يفضل الأسد".
ويظهر موقف ترامب من الأسد، في مقابل المعارضة، في أبرز تصريحين له في هذا الشأن؛ الأول نشرته جريدة "الجارديان" في أكتوبر/تشرين أول الماضي في لقاء معه حيث قال بشكل واضح إن "الأسد شخص سيئ، لكن هذه الجماعات (المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة) قد تكون أسوأ"، أما التصريح الثاني وكان الأحدث في ٢٠ مايو/أيار الماضي مع قناة "إم إس إن بي إس" الأميركية عندما قال إنه في حال فوزه "لن يحارب الأسد" لأن بلاده "لديها مشاكل أكبر منه".
ويتبنى المرشح الجمهوري مبدأ تقليص تدخل الولايات المتحدة في سوريا، ففي ٢٨ سبتمبر/أيلول الماضي، طرح فكرتين في مقابلة مع برنامج "60 دقيقة" على شبكة "سي بي إس" الأميركية الأولى تتعلق بـ"السماح لداعش بقتال الأسد وبعد ذلك التقاط ما تبقى"، والثانية "السماح للروس من التخلص من داعش في سوريا"، ليرسم بذلك استراتيجية إعطاء مساحة لداعش لقتال الأسد، ومساحة أكبر لروسيا لقتال التنظيم، دون تدخل أميركي.
– كلينتون: ترى الموقف في سوريا بشكل معاكس، وهو مزيد من التدخل للولايات المتحدة، من خلال إقامة منطقة حظر جوي شمال سوريا، وإرسال قوات أميركية خاصة بشكل فوري لدعم وتدريب المعارضة السورية المعتدلة.
ورغم إبداء مراقبين دوليين مخاوفهم من صدام محتمل قد ينشأ بين القوتين العظمتين إزاء هذه الاستراتيجية لكن هيلاري ترى العكس، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية التي فندت سياستها الخارجية في 23 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بأنها تعتقد أن استراتيجيتها ستوفر رافعة للولايات المتحدة في التفاوض مع روسيا ودول أخرى للوصول إلى تسوية سياسية للحرب السورية.
وعلى غرار ترامب، لا يبدو أن هيلاري ترى تعقيد الوضع في سوريا، حينما عبرت عن تفاؤلها بأن روسيا، حليفة الأسد، ستتعاون، مفضلة الاستمرار باستخدام القوات الخاصة، دون إرسال قوات مقاتلة إلى سوريا والعراق، بحسب حوار أجرته مع شبكة "سي إن إن" ٤ فبراير/شباط الماضي.
ومنذ منتصف مارس/آذار 2011، تطالب المعارضة السورية بإنهاء أكثر من 45 عاماً من حكم عائلة الأسد، وإقامة دولة ديمقراطية يتم فيها تداول السلطة، غير أن النظام السوري اعتمد الخيار العسكري لوقف الاحتجاجات، ما دفع سوريا إلى دوامة من العنف، ومعارك دموية بين قوات النظام والمعارضة، قبل أن تنضم قوى خارجية مثل روسيا وإيران وحزب الله و"داعش" و"جبهة النصرة" (غيرت اسمها حديثا إلى جبهة فتح الشام) وغيرها في ذلك الصراع.
ليبيا.. توجه مشابه ووسيلة مختلفة:
يتبنى المرشحان نفس التوجه في ليبيا بشأن ضرورة التدخل العسكري، لكنهما يختلفان حول الكيفية والوسيلة المستخدمة.
– ترامب: يرفض أي تدخل عسكري غربي واسع النطاق في ليبيا ويؤيد توجيه ضربات عسكرية نوعية لمعاقل "داعش" هناك لمنع تمدده، وانتقد في الوقت نفسه التدخل العسكري الأميركي في 2011 للإطاحة بالرئيس الليبي السابق معمر القذافي، معتبراً أن ذلك أنتج العديد من السلبيات في البلاد، بحسب تصريحاته في تجمع انتخابي لمؤيديه في ولاية كاليفورنيا 6 يونيو/حزيران الماضي.
– كلينتون: تؤيد اتخاذ إجراءات عسكرية في ليبيا من خلال تحالف دولي أميركي، وتدافع بشكل واضح عن الإطاحة بالقذافي، معتبرة أن واشنطن ساعدت الليبيين في "إقامة دورتين انتخابيتين ناجحتين وهو الأمر الذي لم يكن سهلاً"، بحسب مناظرة مع المرشح المحتمل السابق للحزب الديمقراطي للرئاسة بيرني ساندرز في نيويورك 14 أبريل/نيسان الماضي.
وعقب سقوط نظام القذافي عام ٢٠١١ إثر ثورة شعبية، دخلت ليبيا في مرحلة من الانقسام السياسي بسبب الصراع على الحكم إلى جانب فوضى أمنية بسبب احتفاظ الجماعات المسلحة التي قاتلت النظام السابق بأسلحتها، وظهور تنظيم "داعش" في البلاد.
"داعش".. استراتيجية شاملة مقابل السلاح فقط:
– ترامب: يرى أن قوة السلاح فقط هي الأنسب للتعامل مع تنظيم "داعش"، لدرجة أنه لم يستبعد استخدام النووي للتخلص منه، قائلاً في مقابلة مع قناة "إم إس إن بي سي" الأميركية في ٢٠ مايو/أيار الماضي: "سأقوم بمحاربة داعش بكل ما لدينا وسأوجه كبار القادة العسكريين لتكبيدهم شر هزيمة".
– كلينتون: ترى أن مكافحة الإرهاب تكون وفق استراتيجية شاملة، تتضافر فيها الجهود على كافة الأصعدة العسكرية والدبلوماسية والمالية والإعلامية، وتعتبر أن الحرب على الإرهاب "عالمية" تتشارك فيها جميع الأطراف وتقودها الولايات المتحدة. وقالت في كلمة ألقتها أمام مجلس العلاقات الخارجية الأميركية في 19 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إن "الولايات المتحدة تحتاج لقيادة العالم في سحق داعش وأن الولايات المتحدة فحسب بمقدورها حشد وتعبئة العمل المشترك على نطاق عالمي وذلك هو ما نحتاجه تماماً".
وبحسب حديث كلينتون في ذلك الوقت، فإن استراتيجية دحر "داعش" تتكون من 3 محاور هي: "الانخراط بشكل أفضل مع الشركاء العرب، وعرقلة الشبكات الإلكترونية والمالية للمنظمة الإرهابية، وتعزيز القدارت الدفاعية والأمنية الأميركية في جميع أنحاء العالم".
وتقود الولايات المتحدة تحالفًا دوليًا مكونًا من أكثر من 60 دولة، يشن غارات جوية على معاقل "داعش" في العراق وسوريا منذ ما يقارب عامين، كما تتولى قوات التحالف تقديم المشورة لقوات محلية في البلدين.
اللاجئون.. اتجاهات متعاكسة:
– ترامب: يتبنى سياسة وقف تدفق اللاجئين من الشرق الأوسط، ويتهمهم بانتزاع وظائف من المواطنين الأميركيين ويتحدث عن أن فقراء بلاده أولى بالأموال التي تنفق على اللاجئين السوريين.
وفي ٢٣ يوليو/تموز الماضي، قال ترامب: "سأمنع السوريين من دخول هذا البلد على الفور، تريد هيلاري كلينتون زيادة عدد الوافدين 550% مقارنة بباراك أوباما، أعتقد أنها مجنونة"، بحسب مقابلة أجراها مع قناة "إن بي سي".
وفي ٥ مايو الماضي أظهرت دراسة لمركز بيو الأميركي للأبحاث أن 85% ممن تم استطلاع آرائهم، ويدعمون ترامب، يرون أن اللاجئين الفارين من "داعش" يمثلون تهديداً.
– كلينتون: تتبنى موقفا معاكسا لمنافسها حيث تدعم أزمة اللاجئين وأعلنت عزمها إنشاء وزارة جديدة لشؤون المهاجرين حال فوزرها بالانتخابات. وفي ١٣ أبريل/نيسان الماضي، خلال لقاء في مدينة نيويورك مع نشطاء مدافعين عن حقوق المهاجرين، قالت إنها ستوسع جهود قوة المهام للأميركيين الجدد التي أنشأها الرئيس باراك أوباما عام 2014 لمساعدة المهاجرين واللاجئين على الاندماج بصورة أفضل في الولايات المتحدة.
ومع استقبال أوروبا أعداداً كبيرة من الفارين من الحرب السورية، في الخريف الماضي، وعد الرئيس الأميركي باراك أوباما باستقبال 10 آلاف لاجئ بنهاية العام المالي 2016.
القضية الفلسطينية ومغازلة إسرائيل:
– ترامب: يتخذ موقفا حياديا بشأن مفاوضات السلام بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، ففي الوقت الذي صرح فيه مرارًا بأنه سيعمل على اتفاق سلام دائم بين الطرفين يعود ليشدد على صعوبة الأمر، مثلما قال في جلسة استضافتها قناة "إم إس إن بي سي" فبراير/شباط الماضي.
ورغم هذا الموقف لكن ترامب لا ينكر أنه مؤيد جداً لإسرائيل، قائلاً في إحدى المناظرات الشهيرة بولاية ميامي إنه "لا أحد يحب إسرائيل أكثر منه".
– كلينتون: تؤيد "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" أمام ما سمّته "استفزازت (حركة المقاومة الإسلامية) حماس"، معلنة في الوقت نفسه أنها ستدفع لعقد مفاوضات إسرائيلية فلسطينية لحل الدولتين، إلى جانب التزامها بضمان "أمن إسرئيل وتفوقها العسكري النوعي".
وفي كلمة لها أمام المؤتمر السياسي للجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (ايباك)، في مارس/آذار الماضي، تعهدت بإبرام مذكرة جديدة للدفاع المشترك مدة ١٠ سنوات لتلبية الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية في المستقبل، وتزويد إسرائيل بتكنولوجيات دفاع أكثر تطورًا.
وتوقفت المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية في أبريل عام 2014 بعد رفض إسرائيل وقف الاستيطان والقبول بحل الدولتين على أساس حدود 1967، والإفراج عن معتقلين من السجون الإسرائيلية.