يطرح الانفصاليون في كاتالونيا، بتحقيقهم نتائج شبه مماثلة لما حققوه في الانتخابات المحلية الأخيرة، تحدياً كبيراً لوحدة إسبانيا ولحكومة ماريانو راخوي، التي كانت تراهن على هذا الاقتراع لإضعافهم.
وأعطى الكاتالونيون الذين أدلوا بأصواتهم بنسبة قاربت 82% من الناخبين، محطمين الرقم القياسي التاريخي للمشاركة في انتخابات بالإقليم، 47.6% من أصواتهم الخميس 21 ديسمبر/كانون الأول 2017 للانفصاليين، مقابل نحو 52% من الأصوات للأحزاب الداعية إلى الوحدة مع إسبانيا.
غير أن النظام الانتخابي في كاتالونيا يعطي أفضلية للمناطق الريفية التي يتجذر فيها الانفصاليون، ما منحهم الفوز من حيث عدد المقاعد في البرلمان المحلي.
الاحزاب الانفصالية تتقدم
وفازت الأحزاب الانفصالية الثلاثة معاً بـ70 مقعداً من أصل 135، أقل بمقعدين من عام 2015، محققة سقفاً على ما يبدو، سيمكّنها من الحكم في حال توصلت إلى تشكيل ائتلاف فيما بينها.
ومن بين الانفصاليين، اختار الكاتالونيون في المقام الأول لائحة "معاً من أجل كاتالونيا" التي يترأسها الخصم الأول لراخوي، كارليس بوتشيمون، رئيس الحكومة التي أقالتها مدريد بعد إعلان الاستقلال في 27 أكتوبر/تشرين الأول، والموجود حاليا في المنفى في بلجيكا.
وعلى أثر الاستفتاء حول تقرير المصير الذي حظرته مدريد في الأول من أكتوبر/تشرين الأول وتخللته أعمال عنف ارتكبتها الشرطة، ثم إعلان "جمهورية كاتالونيا" الذي ظل حبراً على ورق، فرضت مدريد وصايتها على الإقليم وحلّت البرلمان المحلي؛ تمهيداً لإجراء انتخابات جديدة.
وأعلن بوتشيمون من بروكسل: "الدولة الإسبانية هزمت، راخوي وحلفاؤه خسروا!".
رئيس في المنفى ونائب رئيس في السجن
لكن في حال توصل الانفصاليون إلى التفاهم فيما بينهم لتولي زمام الحكم، لا يُعرف بوضوح من هي الشخصيات التي ستشارك في الحكومة المحلية.
فبوتشيمون متهم بـ"التمرد" و"العصيان" وسيتم توقيفه في حال عاد إلى إسبانيا.
أما نائب الرئيس أوريول جونكيراس الذي يتزعم ثاني الأحزاب الانفصالية، فهو ملاحَق أيضاً وأودع السجن.
وكان بوتشيمون أعلن في 12 ديسمبر/كانون الأول/، أنه سيعود إلى إسبانيا إن كان من الممكن تنصيبه رئيساً للإقليم. وليس هناك مبدئياً ما يحول دون تنصيب زعيم سياسي ملاحَق طالما لم تتم إدانته. لكنه بحاجة إلى البقاء طليقاً لممارسة مهامه.
ولمّحت أوساطه قبل تنظيم الانتخابات إلى أنه ينبغي أن "يسُمح له بالعودة"، أي ألا تكون مدريد تعتزم اعتقاله في حال دخوله البلاد، و"سيكون بوسعه عندها الشروع في مفاوضات".
ومن المتوقع أن يوضح بوتشيمون موقفه صباح الجمعة/ 22 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، خلال مؤتمر صحفي يعقده قرابة الساعة 10.30 (9.30 ت.غ) في بروكسل.
أما راخوي الذي لزم الصمت مساء الخميس، فقد يدلي بتصريحات بعد الظهر إثر اجتماع مع حزبه الشعبي، الذي مُني بهزيمة كبرى في كاتالونيا مع تراجع تمثيله في البرلمان من 11 مقعداً إلى 3 مقاعد.
الحاجة ملحّة لاستفتاء
وبُعيد إعلان النتائج، أعرب ناخب انفصالي يساري عن "إحساس غريب"، وقال الطبيب فران روبليس (26 عاماً): "إننا نربح من حيث عدد النواب، ولكن ليس من حيث عدد الأصوات" مضيفاً: "سيكون بوسع كل من المعسكرين من ثم إعلان فوزه، وهذا يعكس بصورة جلية الواقع، وهو أن كاتالونيا منقسمة سياسياً، وأن الوسيلة الوحيدة لحسم المسألة هي بطرحها بوضوح في استفتاء".
وأكد أحد أنصار الانفصال في برشلونة، ويدعى فرانسيسك بورتيلا (50 عاماً)، وهو يعمل في مجال التسويق، أن "الرسالة لإسبانيا مع هذه النتائج هي: اجلسوا لنتكلم".
وقال خبير علم الاجتماع نارسيسو ميشافيلا، الذي يدير معهداً لاستطلاعات الرأي في مدريد، لوكالة الصحافة الفرنسية، إنه يتحتم على مدريد "التراجع في أمور لا تعجبها، أن تجلس وتحاور".
لكن الكاتالونيين المناصرين للوحدة مع إسبانيا، يعتزمون أيضاً إبراز موقفهم ليؤخذ بعين الاعتبار.
وإزاء مخاطر الانفصال من طرف واحد عن إسبانيا، نزلوا بكثافة إلى الشوارع منذ لأكتوبر/تشرين الأول، رافعين راياتهم الحمراء التي يتوسطها شريط أصفر.
وحصل حزب "سيودادانوس" الليبرالي المعادي للانفصال على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان بفوزه بـ37 نائباً. واعلنت زعيمته الكاتالونية، إيناس أريماداس: "لن يكون بوسع الأحزاب القومية بعد اليوم التحدث باسم كاتالونيا ككل؛ لأن كاتالونيا هي نحن جميعاً".
ورأى نارسيسو ميشافيلا أن الواقع الاقتصادي سيفرض نفسه أيضاً على الانفصاليين، الذين سيضطرون إلى تليين مواقفهم من أجل وقف تراجع القطاع السياحي والاستثمارات المستمر منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول.
وأضاف أن النخبة في كاتالونيا، وبعض أفرادها، مقربون من حزب بوتشيمون المحافظ، "تعلم أن عليها النهوض مجدداً بالسياحة والاقتصاد".