أهلا بك، إذا كنت قد دخلت إلى هنا معتقداً حقاً أنك قد تجد وصفة عامة تخلصك -أنت وغيرك- من بروز البطن خلال مدة زمنية واحدة، فصدقني، عليك أن تقرأ هذا المقال بهدوء تام.. إنك الآن تعاني مرضاً أخطر بكثير من السنمة التي جئت تبحث لها عن حل شغوف.
هل يبدو لك من المنطقي أن تكون هناك "وصفة سحرية" قادرة على معالجة سمنة جميع الأجسام باختلاف هرموناتها وأحجامها وطبيعة عملها ونوع غذائها، وفي المدة الزمنية ذاتها، لتعطي النتيجة نفسها في كل مرة؟
ببساطة، لو كانت تلك "الوصفة" موجودة حقاً، ما كنت لتحتاج أن تقرأ مثل هذا المقال، ولحازت من الشهرة والاعتماد ما يجعلها حاضرة في كل منافذ بيع الدواء، دون أن يختص بها مقال فريد، لغير مختص، في منصة رأي، على شبكة الإنترنت!
كان عليك ألا تستلم لـ "عولمة" مشكلة السمنة، فإنك لن تجد لها أبداً نموذجاً عاماً نافذاً يصلح لجميع الناس باختلاف حيواتهم وبالاشتراطات نفسها، هذه مشكلة لا يسع فيها فرض قوالب عامة.
مشكلتك الآن أكبر من السمنة بكثير، إن تصديقك لفرضية وجود قالب ثابت لإشكالية تتداخل فيها أبعاد شخصية ونفسية ومجتمعية متراكبة، هذه هي المشكلة الحقيقية التي يجب أن تواجهها.
والسمنة هنا لا تعدو كونها مجرد مثال، فالقاعدة نفسها حين نطبقها على مشكلات أكثر عمقاً في حياتنا الاجتماعية، نكتشف حجم الخلل الذي يداهم أفكارنا وطريقة تفكيرنا.
الأمر يبدو واضحاً للغاية في مواقع التواصل، تلك المنافذ التي تفتح أبوابها إلى أبناء المجتمع كله، باختلاف عاداته وقيمه وتصوراته، فتضع الجميع أمام اختبار حقيقي لمفهوم الحريات الشخصية واحترام تصورات الآخر واحتواء الضعفاء ثقافياً والساذجين تقنياً.
المجتمعات الريفية لها طقوس وأفكار تختلف عن بيئات الحضر وزوايا التمدن، لكل منهم طريقة في التعبير عن الفرح والسعادة أو إظهار الغضب والاستياء، لكل منهم قيم وعادات وأحكام وأولويات وقضايا.
الذي يضع لك في تعليقاته صورة لممثل مشهور وهو يشير بعلامة الرضا، أو من يرسل لك برقية ليلة العيد عليها وردة حمراء متألقة حاملة تهنئة تضيء وتنطفئ، أو من يختار لنفسه اسماً يبدو لك من عالم ما قبل الراديو.. كل تلك الأفكار التي تبدو لك ساذجة، هي الأخرى تعبر عن مكنون أصحابها وتتسق مع تصوراتهم، لست مخولاً أبداً للسخرية منها أو من حامليها.
كذلك هي التجمعات الفكرية المغلقة كالتيارات الاعتقادية والأيديولوجية، لكل واحد منها تصورات تنبعث منها كتابات أصحابها، فتأتي مصطبغة بالمبادئ الأولى التي يستقي منها كل تجمع بشري قيمه وعاداته.
الشاب الذي كتب أنه رفض الارتباط بسبب فكرة معينة تحملها الفتاة التي حكت عن أسباب افتخارها بارتداء زي معين رأت فيه عنوان الاحتشام والحياء، الأسرة التي تؤدب أولادها على قيم محددة صادمة لك ولتحرريتك الواسعة.. كل هؤلاء أيضاً يعبرون عن مكنونات تتسق مع طريقة حياتهم وتعبر عنها.
ربما لا تلحظ المشكلة حين تقف حدودها عند محاولتك التفتيش عن نموذج عام جامع، لكن الأمر يزاد خطورة حين ينتقل الشغف بـ"البحث عن قالب ثابت"، إلى محاولة "تعميمه"، ثم "الدعوة إلى "التزامه"، لينتهي الأمر بك إلى اعتبار الرافضين لهذا القالب خارجين مارقين متأخرين.
تخيل أنك قررت فجأة أن تعتبر كل من يستخدم وصفة غير خاصتك السحرية ليتخلص من "كرشه" نصاباً وكذاباً.. هل تجد هذا يختلف كثيراً حين كتبت منشورا ساخراً من أفكار يحملها غيرك في قرية نائية لمجرد أنك ترى أنها متأخرة عن عالمك المتحضر!
ن التعرية الحقيقية لأفكارنا واحترامنا لحريات الناس تظهر جلية في ردات فعلنا على ما يكتبه كل صاحب منصة من آراء يحملها، مهما بدت ساذجة للغاية أو حتى منفرة وغريبة على عالمك الصغير.
توقف الآن عن عولمة أفكارك وتصوراتك، فمشكلة هؤلاء الساخرين من الخارجين عن قوالبهم أنهم يريدون أن يفرضوا نموذجاً أساسياً لمخرجات تخضع لسعة الفكر وعرف المجتمع وضوابط المحيط، وتفاصيلها أكبر من أن تعمم نظريتك أصل التزام، وتجعل البقية فرع قياس.
عليك أيضاً أن تقف معارضاً لكل من يسخر من تصورات الناس، وأن تحارب الإقصائية الساخرة من الأفكار، وأن تقف أمام المرجعيات المتعصبة لقوالبها الإلزامية، وتكشف لها وللناس عن كونها لا تؤمن بالحرية والتنوع، رغم ادعائها الدائم بأن هدف كتاباتها في الأساس هو توفير مناخ الحرية والدفاع عنه.
اعترض حين يطلق أحدهم سهام ألسنته في حياء فتاة قررت بلا خجل أن تصارح معيد كليتها بحبها، أو صاحبنا الذي نشر صورة لزوجته وهي تتسلم ورقتها في معرض احتفالات الحي بمسابقة الرسم، أو صاحبة النقاب التي تلتقط صوراً تذكارية في منبع سياحي عام.
اعترض حين تجد أحداً يسخر من جواز الصالونات، مستهزئاً بتلك الفتاة التي التقت خطبيها أول مرة في بيت أهلها بالآلية التراثية المعهودة، رغم أن هذا النموذج في النهاية يأتي متصالحاً مع بيئة الفتاة، وملبياً لحاجتها، وموفراً لها الزواج السعيد الذي ارتضته وترتضيه!
قل إن الزواج -مثلاً- لا يمكن أن يطرد فيه نموذج عام، وإن الزوج المثالي لا يمكن وصفه بوصفات إلزامية، وإن فتاة القرية الصغيرة المترابطة لا يمكن أن تختار شريكها وفق آليات ابنة المدينة أو الجزر المنعزلة، وإن المجتمع الجبلي المحافظ لا يمكن تعميم نماذجه على وديان أوروبا، والعكس بالعكس..
قل إن لكل مجتمع طقوسه وتقاليده هي محط استقراره وبقائه، الاستسلام لها أحياناً يكون مفيدا كما الثورة عليها، وإن قبول تعدد الوسائل واختلاف الأدوات واتساع رقعة المجتمع بفصائله هو عنوان الحرية واحترام الآخر.
وأخيراً، فإن على الجميع أن يعرف أنه لا توجد وصفة سحرية لإخفاء الكرش في أسبوع صالحة لكل الأجساد.. كما لا توجد خطة مثالية لاختيار الزوج، ولا شكل ثابت لحجاب الفتاة، ولا رأي واحد في حكم اختلاط المراسلة، وإن بعض الأمور لا تقبل الخضوع لقوانين القولبة، وأكليشيهات العولمة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.