تختلف المناهج الدراسية بين دولة وأخرى، وفي حين تعد فنلندا أحد أفضل نظم التعليم في العالم، يطرح خيار آخر نفسه تحت مسمى "المدارس البديلة"، وفيها تكون العملية التعليمية مفتوحة وتفاعلية وسلسة أكثر في علاقة التلميذ بمعلمه، بل تفتح المجال لتواجد الأهل.
"على خطوات الشيطان، خلقنا المدرسة. الطفل يحب الطبيعة: حبسناه في قاعات مغلقة. الطفل يحب أن يرى عمله ينفع لشيء ما: جعلنا عمله من دون هدف. يحب أن يتحرك: أرغمناه على البقاء ساكناً. يحب أن يتحسس الأشياء: جعلناه يتعامل مع الأفكار. يحب أن يستخدم يديه: أفسحنا له المجال لاستخدام عقله فقط. يحب التكلم: أرغمناه على الصمت. يحب أن يعمل عقله: جعلناه يستذكر. يريد أن يكون متحمساً: اخترعنا العقوبات، وهكذا.. إذن تعلم الأطفال ما لم يكونوا ليتعلموه دون هذا كله. لقد عرفوا كيف يُخفون، عرفوا كيف يغشون، عرفوا كيف يكذبون". أدولف فيريير (الشريك المؤسس للرابطة العالمية للتربية الحديثة سنة 1921).
من خلال هذا الوصف، يعبر أدولف عن رأي العديد من الآباء والمعلمين اليوم في المدرسة، ممن اختاروا عوضاً عن المدرسة التقليدية مدارس تسمى بـ"البديلة"، تقوم على فلسفات تعليم وتربية مختلفة، ولا تهدف للنجاح الدراسي فقط، بل تسعى لتطوير شخصية الطفل.
يتعلم الطفل في المدارس البديلة بطريقة غير تقليدية، لكن هذه التسمية لا تخلو من بعض اللبس، فكلمة "بديلة" قد تستخدم في بعض الدول لوصف مدارس تتبع نفس النظام التعليمي التقليدي، وصنفت بالبديلة لمجرد كونها موجهة لفئة معينة تتعلم في إطار تربوي مختلف.
كما أن كلمة "مدرسة" قد تجعلنا نستثني بدائل تعليمية تستخدم أساليب متطورة ومبتكرة، لمجرد أنها غير مرتبطة بمكان تعليمي محدد. وهنا، نستعرض الخيارات المختلفة لأهم المدارس البديلة وأشهرها:
1- مدارس منتسوري
في هذه المدارس، يُقسم التلاميذ لمجموعات تضم 3 أعمار (3-6، 6-9، 12-9…). تعرض عليهم أدوات وأنشطة حسب أطوار نموهم واهتماماتهم.
ويتمتع التلاميذ بحرية اختيار الأنشطة والقيام بها بشكل مستقل أو في مجموعات صغيرة في بيئة معدة بعناية وبتوجيه من معلمين مدربين.
2- مدارس والدورف
تركز فلسفة والدورف على دمج الإيقاعات الداخلية للطبيعة مع الطفل من خلال الموسيقى والفن والرقص.
فيتلقى التلميذ طول مسيرته التعليمية، المواد من خلال عملية تعلم تفاعلية، مدعومة بالفنون التي تدرس كوسيلة لاكتساب المعلومات.
3- المدارس الديمقراطية
تهدف هذه المدارس بالأساس لخلق محيط آمن، يتعلم فيه التلاميذ بحرية تامة اعتماداً على فضولهم فقط.
في بعض المدارس، يقدم المعلمون دروساً يتعلمها من يريد ذلك، في حين أنه في مدارس أخرى لا يقدم المعلمون دروساً، إلا إذا طلب التلاميذ ذلك.
4- مدارس كريشنامورتي
بالنسبة لكريشنامورتي، مؤسس هذا النوع من المدارس، فإن المدرسة هي واحة يستكشف فيها المعلم والتلميذ معاً، ليس فقط العالم الخارجي والعلوم، ولكن أيضاً أفكارهم وسلوكياتهم الخاصة، فالمدرسة مكان نتعلم فيه الحياة بشكل شامل وكلي.
كل مدرسة من مدارس كريشنامورتي هي مدرسة متفردة، لكنها تتشابه في كونها عبارة عن مخيم كبير في أحضان طبيعة ساحرة، تتوفر فيها قاعات واسعة ومختبرات مجهزة وأيضاً طعام نباتي بسيط وسكن مريح.
سمات مشتركة بين المدارس الأربع
رغم اختلاف مؤسسي هذه المدارس واختلاف الفلسفات التعليمية التي تتبعها إلا أنها تتسم بسمات مشتركة، أبرزها:
– دراسة تلاميذ من أعمار مختلفة جنباً إلى جنب بشكل فردي أو في مجموعات.
– علاقة فريدة بين التلميذ والمعلم، بحيث يصبح التلميذ مسيراً للعملية التعليمية، في حين يكتفي المعلم بدور الميسّر.
– مساحة خاصة بالآباء للمشاركة في تعليم أطفالهم بشكل أكثر فاعلية، ضماناً لامتداد العملية التربوية في المنزل.
– في أغلب هذه المدارس، لا توجد فروض منزلية أو امتحانات ودرجات، بحيث يتم تقييم كل تلميذ بناء على مقاربة نوعية مبنية على ثلاثة أطراف (الأب، المعلم، والتلميذ أيضاً).
سلبيات وإيجابيات للمدارس البديلة
بالرغم من كون هذه المدارس توفر بديلًا جيداً للنظام التقليدي، إلا أنها لا تخلو من بعض المفارقات.
إذ نجد تَحْت مسمى "المدرسة البديلة" مؤسسات تعليمية ذات مستوى عالٍ جداً، إلى جانب مدارس دون المستوى تستخدم اسم فلسفة معينة فقط كنوع من أساليب الجذب والتسويق.
كما نجد أيضاً مدارس بديلة أخرى تقدم خليطاً من الأفكار الرجعية الموجهة لفئة معينة، التي ترتكز على اسم مؤسسها لا على بيداغوجية حقيقية. فاسم المدرسة إذن أو توجهها لا يضمن جودة تربوية بالضرورة.
الجدير بالذكر أيضاً، أن التعليم الذي توفره أغلب المدارس البديلة يتوقف عند نهاية التعليم الابتدائي، وحتى إن كانت مكتسبات التلاميذ الدراسية في هذه المدارس جيدة مقارنة مع تلاميذ المدارس التقليدية، إلا أنهم في النهاية يضطرون للتأقلم مع النظام التعليمي التقليدي.
ولا يمكن أيضاً أن نغفل التكاليف المادية المرتفعة لهذه المدارس، فإذا كانت أشهر المدارس البديلة كمنتسوري ووالدورف قد أنشئت في البداية في أحياء فقيرة لأطفال الطبقة العاملة، أصبحت اليوم نخبوية ولفئة معينة من المجتمع فقط.
ويعود السبب وراء ذلك، لكونها غير مدعومة مادياً من طرف الدولة رغم اعتراف الأخيرة بها قانونياً.