لكي يكون ناجحاً ومتفوُّقاً.. كيف تنمي ذكاء ابنك العاطفي؟

فأياً كان نظام التعليم الذي تود اتباعه مع أطفالك، سواء كان تعليماً منزلياً أو مدرسياً، فتلك المهارات لا غنى عنها لتنشئة أطفال أسوياء

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/02 الساعة 03:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/02 الساعة 03:42 بتوقيت غرينتش

في الواقع، هناك مهارات لا تقل أهمية عن الذكاء الفطري، والذكاء الفطري هو ما يولد به الإنسان، وهو يختلف عن الذكاء المكتسب، الذي يمكن زيادته وتطويره بالتعلم واكتساب المهارات المختلفة؛ بل وتزيد في أهميتها أحياناً عنه مثل: مهارات الذكاء الانفعالى.

فأياً كان نظام التعليم الذي تود اتباعه مع أطفالك، سواء كان تعليماً منزلياً أو مدرسياً، فتلك المهارات لا غنى عنها لتنشئة أطفال أسوياء، ولابد من التركيز عليها وتدريب الأطفال عليها منذ الصغر.

الذكاء الانفعالي: هو ما يُمَكِّن الطفل من التعامل مع مشاعره بشكل صحي وفهمها وتوظيفها بشكل جيد، وهذا ينعكس على علاقاته مع الآخرين وكفاءته في المهام الموكلة إليه وتفتح له آفاقاً مختلفة اجتماعياً أو على صعيد العمل.

صحيح أن الدراسة والتعليم هامان للغاية، ولكنهما ليسا المهارات الوحيدة المطلوب من المرء تحصيلها في هذا العالم.

و لكن، ما هذا الذكاء بدايةً؟



كثيراً ما تُترجم كلمة Emotional Intelligence إلى الذكاء العاطفي… وتترك انطباعاً في نفْس من يسمعها بأنها القدرة على التعاطف وفهم مشاعر الغير واحتوائها والنجاح الاجتماعي والتأثير على الناس، كلها أشياء عاطفية بالأساس.

في الحقيقة، الترجمة الأدق لها هي الذكاء الوجداني أو الانفعالي؛ لأن الأمر لا يكون فقط بالتعاطف وإعطاء المشاعر، ولكنه أساساً فهم الذات وكيفية التعامل الأمثل والناضج مع المشاعر السلبية التي نصاب بها جراء المواقف المختلفة التي تواجهنا.

لتقريب الأمر، هناك سمات عديدة للأذكياء وجدانياً، تمكنهم من التعامل الأمثل مع أنفسهم ومن ثم الآخرين.

أهم ما يتمتع به الأذكياء انفعالياً هو الوعي بالذات، هم يعترفون بمشاعرهم ويجيدون تصنيفها سلباً وإيجاباً والتعامل معها، وإدارتها بشكل جيد؛ فهم يعرفون ماذا يقلقهم وماذا يغضبهم، ما يفرحهم وما يبهجهم بصدق ووضوح.

هذا يجعلهم يتجنبون ما يضايقهم قدر الإمكان، وإن حدث ووجدوا أنفسهم في ضيق فهم يعرفون غالباً سبب المشكلة أو الضيق ويعملون على حلها أو تجنّب أسبابها من الأصل؛ لذا يمكنهم السيطرة نسبياً على قلقهم الداخلي.

* ولأنهم يفهمون ذاتهم ،فهم يقبلون نقاط القوة والضعف بهم، يعملون على تقوية مواطن ضعفهم ويحاولون استغلال ما يبرعون فيه .

* ولأنهم واعون بذاتهم، فهم لا ينكرون ولا يرفضون أي نقد يوجه لهم؛ بل يجيدون الإنصات وفهم الآخرين والوقوف على وجهات النظر المختلفة ولا يبادرون بإصدار الأحكام… وإن ثبت خطأهم، فهم يعتذرون ويتحملون بشجاعة ومسؤولية نتيجة خطئهم، ويحاولون فهم لماذا حدث هذا الخطأ؛ لتلافيه في المستقبل.

وهناك صفات أخرى مثل: الاهتمام بالآخرين بصدق؛ يمكنهم قول الحقيقة، لكن من دون وقاحة وجرح؛ إدراك أن الكمال لله وحده ويبتعدون عن المثالية ومطالبة الآخرين بها؛ يقبلون التغيير؛ لا يتشتتون عما يفعلون بسهولة؛ يدركون السلبيات والإيجابيات في أي شيء ولكنهم يميلون إلى التركيزعلى الإيجابيات أكثر؛ لا يسكنون في الماضي ويُنزلونه منزلته؛ يجيدون تحميس وتحفيز أنفسهم؛ يعرفون كيفية وضع الحدود مع الآخرين ومتى يقولون "لا" إن أرادوا.

هذا بالنسبة للكبار، ولكن ماذا عن الأطفال؟ ما الخطوات الأساسية لنجعلهم يتمتعون بأغلب الصفات السابقة؟



من الجيد معرفة أن هذا النوع من الذكاء يمكن التدرب عليه وتنميته، ليس مثل الذكاء الفطري "IQ" الذي يولد به الإنسان ويصعب تغييره.

يُمضي الطفل سنين عمره الأولى في اكتشاف الحياة مِن حوله والتعرف عليها، ويتعرف على نفسه أيضاً ضمن بقية الأشياء. هم يمرون بمختلف المشاعر من غضب وفرح وقلق، وهذه المشاعر تجعلهم يتصرفون بشكل معين، دورنا هو أن نأخذ بأيديهم كي يفهموا تلك المشاعر ويتعاملوا معها بشكل صحي. ومن ثم، ينعكس هذا على تعاملاتهم مع الآخرين وتكون سوية هي الأخرى.

فنحن نصادف في حياتنا كمّاً من العلاقات والمواقف الحياتية، التي فشلت لأن أصحابها لم ينضجوا بالشكل الكافي ليتحملوا مسؤولية أفعالهم. فليس لديهم وعي بأنفسهم ولا بمشاعرهم، وبالتبعية مشاعر وسلوك الآخرين. هم ببساطة يفتقرون إلى الذكاء الوجداني.

هل سمعت من شخص فشلت علاقته مع آخرين، سواء صداقة أو خطبة/زواج، أنه دائماً المظلوم وأن عيبه الوحيد أنه طيب للغاية وأن الناس أصبحوا أشراراً ولا يعاملونه بما يستحق وما يليق به؟
أو من يصدر أحكاماً دائماً وأبداً على الآخرين بشكل ثابت دون مراعاة الفروق الإنسانية بين البشر ومن دون محاولة للفهم وأن يقترب من مواضعهم؟

هؤلاء أشخاص يفتقرون إلى الذكاء الوجداني، وسيعانون مشكلات حياتية وفي العلاقات، دائماً ما يعيق تقدمهم الوظيفي والاجتماعي.

أول خطوة يمكن أن تمارسها مع طفلك هي: الاستماع

عامِل طفلك كشخص بالغ، ولكن لا تطالبه بما تطالب به البالغين؛ فالطفل لديه أحاسيس لا يعرف كيف يصفها. لذا، فأول خطوة لمساعدته على فهم ما يشعربه هي أن تسمعه وتصِف له مشاعره.

هل طفلك غاضب؟ اسأله: هل أنت محبَط؟ هل تشعر بالغضب؟ حوّل مشاعره إلى كلام؛ كي يتعلم كيف يصف مشاعره، قدرته على وصف مشاعره تعني قدرته على فهمها؛ ومن ثم التعامل معها.

الاستماع والاحتواء بلا أحكام مسبقة:

استمع له من دون اتخاذ مواقف أو أحكام مسبقة… استمع لتفهم، ودَعْ كل الانطباعات المسبقة التي تقيّم بها المواقف المشابهة. استمع وتعاطف معه إن كان خائفاً، قدِّم له الدعم إن كان غاضباً، وذكِّره بأن كل مشاعره مقبولة ولكن ليست كل تصرفاته مقبولة. فليس مقبولاً أن يدمر أشياء أو لعبة مثلاً إن كان غاضباً.

تذكَّر دائماً أن تصرفاتك أنت هي النموذج الأول الذي يراه الطفل أمامه ويقلِّده في التعامل مع غضبه. فإن رآك لا تسيطر على انفعالاتك أو لا تعتذر عند الخطأ، فلا تتوقع منه أن يتصرف بشكل جيد حتى وإن طلبت منه. القدوة الحسنة هي أفضل مُعلم.

عندما تتعامل مع مشاعرهم وتقْبلها… أنت في الحقيقة ترسي دعائم لكيفية تعاملهم مع مشاعرهم وأن يتقبلوها في المستقبل دون الحاجة لدعم خارجي… هم يتعلمون منك كيف تسير الأمور؛ ومن ثم كيف يطمْئنون أنفسهم بأنفسهم في المستقبل.

من فوائد تقبّل مشاعر طفلك أيضاً، أن يتعود ألا يمتهن نفسه ويقدرها جيداً، و يعرف أن مشاعره مهما كانت سلبية فهي مقبولة ممن يحبونه، وهي ليست عبئاً عليهم. فنحن عندما نقبل الجزء السلبي من مشاعرهم، يجعلهم ذلك يشعرون بالقبول غير المشروط ممن يحبونهم بحق وأنه لا يوجد ما يخجلون منه؛ فالجميع تمر بهم لحظات يشعرون فيها بتلك المشاعر السلبية.

نحن نرى الكثيرين من الكبار الآن يرضون بأقل القليل من الاهتمام والرعاية؛ لأنهم بالأساس لم يعرفوا الاهتمام الحقيقي من الأهل، فكانت معاناتهم مركّبة. فظنوا أن الفتات الذي يُلقى لهم ممن يتلاعب بهم هو اهتمام حقيقي. هذا جعلهم يتسولون الاهتمام ويفرحون بأي شيء من أي أحد. هذا جعلهم أيضاً يسيئون فهْم أي تعامل طيب طبيعي بأنه اهتمام زائد خاص لهم.

ومن هنا، تحدث مشاكل كبيرة في إدراك مشاعر الآخرين وتوهّم أمور غير حقيقية. الأمر مركّب إذن وله جذور في الطفولة.

قبول الأهل مشاعر الطفل السلبية يجعله يشعر بالقبول حتى في أضعف حالاته، ويعطي له رسالة ضمنية بأننا جميعاً بنا عيوب ونواقص ومن غير المفترض أن نكون دائماً في أفضل حالاتنا. فلا يبحث عن الكمال، فهو يدرك تدريجياً أن الكمال لله وحده. الذكاء الانفعالي في مراحله المتطورة يجعل المرء يضع الأمور في نصابها الصحيح ويعطيها قدرها، فهو يري السيئ والجيد في أي شيء، ولكنه يميل إلى تجاهل السلبيات والتركيز على الإيجابيات. التغافل من سمت الأذكياء انفعالياً.

قبول الأهل وتفهمهم مشاعر أبنائهم يعطيان ميزة مستقبلية أخرى؛ هي تمرينهم على أن المشاعر مهما بلغت حدّتها فسوف تقل بالتقبل. وغالباً من لم يجد تقبّلاً في صغره، إن تعرض لمشاعر قوية جداً فقد تجعله يصاب بالقلق وينهار… ذلك أنهم لم يتمرنوا سابقاً على تقبّل مشاعرهم وكيفية التعامل الصحي معها.

هناك نقطة فاصلة في موضوع قبول المشاعر هذا، تصوغه تلك القاعدة: كل المشاعر مقبولة، ولكن ليست كل التصرفات/الأفعال مقبولة!

نعم… قد نغضب، ولكن من غير المقبول تكسير الأشياء أو التفوّه بألفاظ مؤذية. إذن، فالتدمير أو جرْح مَن أمامك تعلُّلاً بأنك كنت غاضباً أو هذا هو طبعي- هما حجة الأغبياء وجدانياً… وهي واهية بالأساس. يمكن لأي انسان التحكم في أفعاله.

طرق السيطرة على الغضب كثيرة يمارسها الأهل مع أطفالهم بداية… الاستماع وتفهُّم الأهل مشاعر الطفل وحديثه عنها- يجعلها تتشتت تدريجياً وتفقد حدتها.. رؤية الطفل أهله وهم يتحكمون في غضبهم وجعله غير مدمر سوف تجعله ينجح هو الآخر في السيطرة على نفسه مستقبلاً. وكما قلنا من قبل: ميزة الذكاء الانفعالى أنه يمكن تعلُّمه والتدريب عليه في أي سن وليس مثل الذكاء الفطري "IQ" الذي يولَد به الإنسان وإمكانية تنمية محدودة للغاية.

يظن بعض الأهل أن تجاهل المشاعر من الطرق الناجحة في التعامل معها عند الأطفال.. هذا قد يجدي لو كان الأمر مجرد تقليد أو مفتعلاً، وهو بالمناسبة يكون قليلاً عند الاطفال.. ولكن إنْ تجاهل الأهل تلك المشاعر ووجدوا أنها ما زالت تعتمل في خلفية الطفل، فلا بد أن يتعاملوا معها بالطريقة المثلي: بالتطمين مثلاً لو كانت قلقاً، أو التدخل أو تدريبه على رد الفعل المناسب لو كان يضايقه أحدهم أو ما شابه.

ترك الطفل لمشاعره دون تعليمه كيفية التعامل معها سيجعله هشاً تجاهها؛ فالطفل جديد على هذا العالم ويحتاج في البداية إلى أن نضع يده على كيفية التعامل الأمثل مع معظم الأمور، ومنها مشاعره الخاصة.


من ينشأون في كنف أهل عطوفين واعين يحتوون ويقدمون الدعم والتوجيه اللازم، يشبّون أشخاصاً أصحاء قادرين على الاعتماد على أنفسهم وإدارة ذواتهم… فالطفل لا بد أن يتعلم من نموذج أكبر منه يمثل له القدوة في كيفية التعامل الصحيح.

يظن البعض خطئاً أن ترك الطفل من دون أي مساعدة سيجعله يشب قوياً، فهكذا يعتمد على نفسه. هو قد يشب فعلاً، ولكن بكثير من المشاكل العالقة التي لم تجد نموذجاً صحياً كي تحتذي به. هو سيجتهد لحلها، ولكن -للأسف- بشكل خاطئ (كالعصبية المدمرة في التعامل مع الغضب)، وقد ينتج عن ذلك كثير من البالغين غير الناضجين انفعالياً ووجدانياً، وستتكالب عليهم المشاكل في عملهم وعلاقاتهم وهم يتوهمون أنفسهم ضحايا على طول الخط.

وأظن أننا جميعاً نرى أثر عدم الوعي بالنفس أو الذكاء الانفعالي/الوجداني حولنا بشكل أو بآخر. ومن لم تتَح لهم فرصة النشأة السوية في طفولتهم، فليست مشكلةً ولم يفُت الوقت، هذا النوع من الذكاء يمكن تنميته والتدريب عليه في أي سن.

فإصلاح الذات بقدر المستطاع ليس أمراً مستحيلاً، فهو يحتاج في الأساس لأن يكون المرء صريحاً وصادقاً مع نفسه، وأن يكون على وعيٍ بعيوبه، وأن يكون عنده الإرادة لإصلاح هذه العيوب.

علامات:
تحميل المزيد