مَن منا لم تحيِّره هذه الكلمة، وبات يلهث وراءها ليثبت كم أن العالم عنصري، ويعيش في فوضى عارمة، وأنه وحده هو المتقبل للجميع كما هم بأخطائهم وعيوبهم، والحقيقة أن كلاً منا يمتلك شيئاً من العنصرية والقبح بداخله؟
مَن منا لم ينظر إلى المرأة السوداء باشمئزاز وكأنها مسخ شيطاني لا تستحق الحياة، وأن المرأة البيضاء ذات الشعر الأصفر المنساب هي مَن تستحق الحياة بكل ما فيها من خير؟ أليست هذه عنصرية؟
من منا لم يهِن الآخر لشكله أو لونه أو عقيدته؟ إذاً فهذه طبيعة بشرية وغريزة لدى الإنسان أن يفضل بعض البشر على البعض الآخر دون أسباب واضحة، وكأن شيئاً ما في داخله يحركه لأن يكره السود ويسخر من قصير القامة، ويلعن مَن يخالفه في العقيدة، وإذا تحدثت إلى أحد من هؤلاء الذين يكرهون الآخر لعقيدته، وسألته عن بغضه وكرهه له، يخبرك بلهجة غليظة: لأن الله يبغضه وسيدخله النار، والسؤال هنا: ألا يستحق الشفقة بدلاً من الكره؟ ألا يستحق أن نبكي من أجله بدل أن نبكيه؟ وإذا افترضنا أن الله سيدخله النار فهذه إرادته هو، ولا يحق لأحد التدخل في عقابه وكرهه له، فلمَ تكرهه أنت؟
والغريب عندما يسمع الرجل الشرقي هذا المصطلح (العنصرية) يختل توازنه وعقله، ويبدأ في السب والشتم في أميركا، ويذكرك بمعاناة السود، وكيف كانوا يعاملون بوحشية وعنف، وأنهم العبيد والخدم، وكيف كان الرجل الأبيض يقوم بتعذيبهم وقتلهم، وكأنهم لا شيء، وستدرك لبعض الوقت أنك تجلس أمام ملك أنزله الله من السماء لنشر الفضيلة، ويا لَلعجب عندما تسأله: هل من الممكن أن تحب مَن يختلف معك في العقيدة؟ فيجيب بغطرسة وتعالٍ بأنه من المستحيل فعل ذلك؛ لأنه مخالف للشرع. أين أنت من العدل إذاً؟ فنحن أمام أمة ضائعة مزدوجة الفكر والشخصية، يبغض الشيء وفاعله ويفعله في التو واللحظة ظناً منه أن الدين الذي يأمره بذلك، أي دين هذا تؤمن به؟ فالعالم يتغير ويتحول، وقد أخذ السود حقوقهم المهدورة، وبات لهم كلمة مسموعة، وانتشر العدل والمساواة بين الجميع، وفي مخيلة العربي أن أميركا شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، فيها العبيد يباعون ويشترون على الأرصفة وفي الأسواق، ولم يدرِ أننا نرجع إلى الوراء بسبب تلك الاعتقادات المزيفة، فإيمان العربي مبني على أساس ديني، وأي مساس به محاربة للدين؛ لذا بات من المستحيل إقناع العربي بأنه يعيش في خياله المريض الذي هيَّأه لنفسه، ويتلو عليك آيات من القرآن الكريم كقوله: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى"، حينها تدرك أنك أمام أمة غافلة تائهة لا تدرك معنى الأشياء، وأن عنصرية هؤلاء أخطر على العالم من عنصرية البيض للسود، وأن أفكارهم لو استطاعوا تطبيقها لقتل نصف العالم، وبات النصف الآخر ينزف حتى الموت؛ لذلك نحن بحاجة إلى تغيير ذلك الفكر، وأن نكون صادقين في كل ما نفعل حتى الابتسام في وجه الآخر، وأن نتقبل الجميع كما هم بعيوبهم وأخطائهم واختلافهم حتى نسمو إلى مرحلة الإنسان الذي يحب الجميع؛ السود والبيض، القصير والطويل بكل عيوبهم.
وإذا رجعنا إلى التاريخ واستأصلنا منه قصص العنصرية لوجدنا نماذج عديدة، منها الكاتب (رجاء عليش)، الذي وُلد بعيوب خلقية جعلت حياته مزرية، وكُره من الجميع، وكأنه مخلوق غريب عنا، وليس إنساناً يستحق الاحترام والتقدير مثل أقرانه من بني البشر، فكل هذا كافٍ ليجعله ميتاً وهو حي يتنفس، فلا صديق ولا حبيب يخفف عنه تلك النظرات القاسية، المهلكة لعقله وفكره، ولا غرابة في أن تنتهي حياة هذا الكاتب بالانتحار، فقد شن عليه الجميع حرباً عنصرية جعلته يستسلم ويختار الموت بدلاً من تلك الحياة المزرية، وأن يستريح من تلك الوجوه الساخطة عليه، لا لأخلاقه وإنما لشكله، فلا بد أن يفتش كل منا هو الآخر عن شكل عنصريته، ويتخلص منها، ويرتقي إلى أسمى المراحل الإنسانية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.