في إحدى محاضرات الشيخ وجدي غنيم، وقبل أن يبدأ الشيخ حديثه، كان أحد الشباب يقدم الشيخ، وذكر هذا الشاب أن هذه المحاضرة للشيخ ليست للإعجاب أو الاستمتاع؛ بل من أجل العبرة والموعظة، وأن على كل مستمع عندما يعود إلى بيته أن يجيب على سؤال هام هو: ماذا قدم لدين الإسلام؟ كان هذا الشاب المقدم هو عمرو خالد نفسه الداعية الذي سيصعد نجمه وينال شهرةً واسعةً بعد سنوات قليلة من هذه المحاضرة للشيخ وجدي غنيم.
سطع نجم عمرو خالد والعديد من الدعاة أمثاله في فترة تلت أحداث أفغانستان والحادي عشر من سبتمبر/أيلول، حيث أدركت أميركا أن الاتجاه العام في المنطقة العربية بدأ ينحو باتجاه الإسلام بشكل عام بعد فشل التجارب القومية والشيوعية وغيرها، وأن لا سبيل لاحتواء هذا الاتجاه العام إلا بمحاولة تدجين الظاهرة الإسلامية ومحاولة توجيهها في الاتجاه الذي ترغب فيه أميركا والغرب بشكل عام، ولذلك بدأت تظهر في تلك الفترة ظاهرة ما سُمي بالدعاة الجدد، بالطبع هنا لا يوجد دليل قوي على أن أميركا هي مَن وقفت خلف هذه الظاهرة، ولكن المؤكد أن هذه الظاهرة وافقت هوى ما تريده أميركا، ولذلك طالبت العديد من المؤسسات بدعم هذه الظاهرة ونشرها بين المسلمين، ومن هذه المؤسسات مؤسسة "راند" المعروفة.
في ذلك الوقت تحول مَن يسمّون بالدعاة الجدد ومنهم عمرو خالد إلى أشبه ما يكونون بنجوم الغناء والطرب والتمثيل، وتحولت محاضراتهم ودروسهم إلى ما يشبه الحفلات؛ حيث يأتيها الشبان والفتيات متأنقين وبأحدث ثياب، وكأن الأمر عبارة عن مهرجان وليس درساً دينياً للتذكير بالله ورسوله، وانتفخت فقاعات هؤلاء الدعاة، وانتشر أمرهم بين الناس كانتشار النار في الهشيم.
أعود إلى عمرو خالد الذي منذ اشتهاره قدم العديد من البرامج كان من أشهرها بالتأكيد "ونلقى الأحبة" و"باسمك نحيا" و"على خطى الحبيب"، وغيرها العديد من البرامج التي لاقت استحسان الناس في ذلك الوقت على ما فيها من أخطاء شنيعة وعديدة لم ينتبه لها العديد من متابعيه، ربما لتأثرهم بالأسلوب العاطفي للرجل، ويمكن العودة لمشاهدة هذه الأخطاء والكوارث على اليوتيوب لمن أراد.
إلى حد الآن قد يتفق البعض أو يختلف مع عمرو خالد على أخطائه، وقد يقال إن الرجل لم يتخصص قبل شهرته في الفقه أو في أي دراسة معمقة في الدين؛ لذلك قد يتجاوز عن هذه الأخطاء أو الهفوات كما قد يسميها البعض، ولكن بعد أحداث ما سُمي بالربيع العربي سقطت الكثير من الأقنعة وانكشف الكثير من الدعاة والشيوخ، وظهرت حقيقة الكثيرين وكان من بينهم بالتأكيد عمرو خالد وغيره من الدعاة الجدد، الذين لم تعد القضية معهم خلافاً في وجهات النظر وإنما قضية تأييد الظلم والظلمة من عدمه، وهذه قضية جوهرية في الإسلام.
لا أحد يمكن أن ينسى موقف عمرو خالد بعد فض اعتصامَي رابعة والنهضة، فالرجل فضل الصمت بعد المجزرة، ورفض التعليق عليها بحجة أنه لا يريد أن يتدخل في السياسة! وللمفارقة فإن عمرو خالد قرر عدم التدخل في السياسة فقط بعد الانقلاب العسكري للسيسي، وبعد المجزرة التي راح ضحيتها مئات الأبرياء، بينما في أيام الرئيس محمد مرسي كان نفسه يصول ويجول في عالم السياسة، التي ربما كانت حلالاً في ذلك الوقت في نظر عمرو خالد وأمثاله، حتى إنه أسس حزباً سماه "مصر المستقبل"!
بعد رفض عمرو خالد التدخل في السياسة -على حد قوله- تابع على نفس المنوال دروسه وبرامجه التي أصبحت مكررة، وتابع على نفس الوتيرة بإبراز أسلوبه التمثيلي الفج، وتحولت صفحته على الفيسبوك التي تحظى بأكثر من 28 مليون متابع إلى صفحة منوعات؛ حيث تجد فيها مواضيع عن أشهر أطباق الأطعمة والمأكولات وعن طرق للريجيم وبناء العضلات وفوائد البرتقال والبروكلي والمشمش المجفف وعن أجمل الشوارع والحدائق في العالم، قبل أن يطالعنا منذ أيام بفيديو مضحك، انتشر كثيراً بين الناس يخص فيه متابعي صفحته على الفيسبوك بالدعاء.
في النهاية باعتقادي أن ورقة التوت قد سقطت عن عمرو خالد منذ مدة طويلة، لكن المشكلة في الذين ما زالوا مخدوعين به وبأسلوبه، ولذلك أعود للسؤال الذي ذكرته في البداية، والذي طالب عمرو خالد الناس أن يسألوا أنفسهم به، وقال: ماذا قدمتم لدين الإسلام؟
فأسأل موجهاً السؤال لمتابعي عمرو خالد:
ماذا قدم عمرو خالد لدين الإسلام وللمسلمين عامةً غير تأييد الطغاة والظلمة أو السكوت عنهم على أقل تقدير وأكبر مثال ما جرى عند سكوته على مجزرة رابعة وغيرها؟
ماذا قدم عمرو خالد لدين الإسلام وللمسلمين عامة غير "الإسلام" الذي ترضى عنه أميركا؟ وهل هذا الإسلام هو نفسه الإسلام الذي أُنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؟
وأخيراً ماذا قدّم عمرو خالد لدين الإسلام وللمسلمين عامةً سوى متابعته لطريق علماء وشيوخ السلاطين والتزلّف لهم والسير على خطاهم حذو القذة بالقذة ولكن بطريقة وأسلوب مودرن ومن غير لحية؟!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.