أثار إضراب المعلمين الفلسطينيين الذي استمر قرابة شهر زوبعة من الانتقادات لسياسة الحكومة الفلسطينية الاقتصادية، الأمر الذي دفع الاتحاد الأوروبي الذي يشكّل الداعم الرئيس لخزينة الحكومة إلى اتخاذ إجراءات رقابية وصفتها الحكومة بالاعتيادية، فيما يرى المراقبون أنها تطوّر تُبنى عليه سيناريوهات متعددة.
الفروقات الواضحة في سُلّم الرواتب وسوء استخدام المال العام كانت أبرز هواجس الحكومة والممولين الذين يقدمون المعونات من أموال دافعي الضرائب، الأمر الذي دفع الاتحاد الأوروبي للقلق والغضب كما يؤكد الأكاديمي والباحث الفلسطيني الدكتور هادي العجلة.
قلق أوروبي
يقول العجلة: "الاتحاد الأوربى ينظر بحذر لموضوع إضراب المعلمين، وفعلاً وصلت بعض الرسائل من منظمات وأشخاص وأحياناً من سفارات بعض الدول الأوروبية للاتحاد الأوروبي (وهذا طبيعي ضمن التقارير الأسبوعية لبروكسل) لوضعهم في صورة الأحداث".
وأضاف لـ"عربي بوست" أن هناك غضباً خفياً في بروكسل، و"يمكن القول إن الاتحاد الأوروبى بشكل عام فقد الثقة بالسلطة الفلسطينية بعد عزل رئيس الوزراء السابق سلام فياض، الذي رفض بشكل قاطع تدخل حركة فتح واللجنة المركزية وبعض أعضائها من التأثير على قرارات الحكومة التي كانت شفافة نوعاً ما".
وأوضح أن "الملاحظ جيداً هو انخفاض المساعدات الأوروبية للسلطة منذ استقالة فياض، ولكن بعد إجبار سلام فياض على الاستقالة تم تقليص تلك المساعدات بشكل ملموس لأنه لا توجد شفافية، كما يرى الأوروبيون".
فيما يبرر الدكتور سمير عبدالله، الباحث في مركز ماس للدراسات الاقتصادية، تراجع المعونات الدولية وخاصة الأوروبية الى قلق سياسي، إذ يؤكد أن "المعونات الدولية تراجعت بشكل عام من مليار و800 مليون دولار إلى 800 مليون فقط بسبب انسداد الأفق السياسي وتوقف عملية السلام، ما جعل المانحين يشعرون بأنهم يستثمرون بلا فائدة، الأمر الذي سبب إحراجاً لتلك الدول أمام الرأي العام ودافعي الضرائب".
وأوضح عبدالله لـ"عربي بوست" أن طلب الكشوف جاء بناءً على آلية التمويل الأوروبية المعروفة "بالبيغاس" التي من خلالها يقدم الاتحاد الأوروبي مساعداته لدفع رواتب الموظفين الفلسطينيين، وقضية تدني رواتب المعلمين معروفة لدى الاتحاد الأوروبي ولن يكون هناك شيء جديد بهذا الخصوص.
وحول ما إذا كان هذا القلق الأوروبي سيدفع الاتحاد إلى تغيير سياسات التمويل للسلطة الفلسطينية، يرى الدكتور هادي العجلة أنه "لن تكون هناك إجراءات رقابية بشكل دقيق أو تغير في السياسات، ولكن ربما يقوم الاتحاد الأوروبي بوضع شروط خاصة مثل دفع رواتب ومصروفات قطاعات معينة (الصحة والتعليم) مع استئجار شركات رقابة مالية للرقابة بشكل عام على السلطة الفلسطينية ومصروفاتها".
فيما يستبعد الدكتور سمير عبدالله أي تغيير قائلاً: "لا أعتقد حدوث تغيّر في سياسة الدفع الأوروبية، ولا أعتقد أن يزيد الاتحاد من دعمه لمساعدة الحكومة في الخروج من هذه الأزمة، حيث لا يتدخل الاتحاد الأوروبي في هذه القضايا".
الأمني والتنموي
تشكّل الرواتب والأجور حصة كبيرة من إنفاق الحكومة الفلسطينية العام، حيث تشكل ما نسبته 51% من النفقات التي تقدر بـ7 مليارات شيكل (مليار و800 ألف دولار)، قدم الاتحاد الأوروبي 525 مليون شيكل (134.6 مليون دولار) أي ما نسبته 13% فقط.
ويحظى قطاع التعليم من تلك الرواتب والأجور بـ26% منها، فيما تحظى قطاعات أخرى على نصيب أكبر بكثير كقطاع الأمن العام.
خُروقات في عقود حكومية تَهدر المال العام
فيما ربط مختصون آخرون بين خُروقات في عقود حكومية تهدر المال العام وأزمة المعلمين التي نجمت عن عدم قدرة الحكومة على الإيفاء بالتزاماتها، بحسب ما كشفت شبكة الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان".
وقالت "أمان" إنها وجدت التفافاً على التعيينات الحكومية من خلال توظيف أشخاص على بند العقود المؤقتة لعشرات السنوات بدلاً من توظيفهم ضمن جدول تشكيلات الوظائف الحكومية.
جانب آخر من الخروقات تحدثت "أمان" عنه، حيث "في حال حصل الموظف على إجازة وانتقل للعمل في جهة حكومية أخرى بموجب عقد فإن المادة 10 من نظام توظيف الخبراء تؤكد عدم جواز منح أجر إجمالي للخبير المحلي الذي كان يعمل في القطاع الحكومي إلا في حدود ما كان يتقاضاه من الجهة التي كان يعمل بها من أجر وبدلات وميزات مالية".
وتكمن المشكلة الرئيسية في عدم القدرة على ملاحقة من يأخذ إجازة دون راتب ويعمل خبيراً بمؤسسة حكومية، بحسب ما تفيد به "أمان"؛ وذلك لعدم وجود بيانات رسمية بأسمائهم لدى الجهات الممولة إن كان لا يتم دفع مستحقاتهم عن طريق وزارة المالية.
ومن أكثر الأمور الصادمة – بحسب "أمان" – الكشف عن استمرار صرف رواتب بعض موظفي العقود بعد تاريخ وفاتهم، حيث لم تتخذ الوزارات والمؤسسات العامة الإجراءات اللازمة لمتابعة رواتبهم.