أرجوحتي بين العشرين والأربعين

في ليلة الأربعين تتراءى لي مراحل عمري.. الفائتة.. طفولتي وشبابي وكأنها على سفح منحدر وأنا الواقفة على قمة جبل أتلفت.. تراه أين سيكون مستقبل أيامي.. في السفح الآخر للجبل..

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/15 الساعة 04:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/15 الساعة 04:45 بتوقيت غرينتش

كم كانت نفسي تتوق لأن أحيا جمال عمر العشرين..

ففي العشرين
سأصبح أكثر حرية.. في الحركة
أدخل الجامعة..
أحضر المحاضرات العلمية
أتحدث مع اساتذة أفاضل
أدير الندوات والأنشطة..
أشارك بالمسيرات..
أقود سيارة..
أتعرف على عالم جديد وأماكن جديدة
وصديقات من مختلف الأطياف …..

في العشرين..
سأصبح عروسا وألبس الأبيض
سيكون لدي بيتي المستقلّ الذي سأختار أدق تفاصيله..
سأغدوو أمًّا وأربي أطفالي على كل الجمال الكوني الذي أراه..
كانت هذه الأشياء البسيطة بالنسبة لي أحلاماً ثمينة
وكنت قبلها قد حددت هوية فكري..
ولم أحدد بعدُ أهدافي العملية التي ستقود بوصلة حياتي نحو تحقيق ذاتي..
ومرت سريعاً سنو العشرين ولحقتها صويحباتها من بنات سني الثلاثين.

وهأنا ذا.. وأنا أعيش دفقات ليلة الأربعين
أقف على أعتاب مرحلة كم كنت أظنها بعيدة فإذا بها تدنو مني وتدنو معها كل الذكريات
مصحوبة بثقل التساؤلات..
قرأت طويلاً لأستوعب وقع الكلمة.
"الأربعون"
عفواً، بل لأستوعب عنوان المرحلة القادمة التي سأحياها إن كتب الله لي طول الأجل.
"حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة"*
لم يكرم ربي سبحانه سن العشرين الذي كنت أصبو إليه في محكم تنزيله..
بل خصّ سن الأربعين وحده في الذكر.

لماذا؟!

حبيبي وقدوتي محمد أتته الرسالة العظيمة في سن الاربعين، فلماذا؟!
تجارب المسح بالرنين المغناطيسي على الدماغ أظهرت أن النمو يستمر خلال الثلاثينات وحتى نهاية سن الأربعين، وأهم منطقة وأكثرها استمراراً في النمو هي منطقة الناصية، ذلك الجزء من أعلى ومقدمة الدماغ، وهي التي تميزنا كبشر عن غيرنا..
وهي المسؤولة عن اتخاذ القرارات.

لماذا يا ترى؟!
إنه سن بلوغ العقل تمامه، ففي تفسير ابن كثير للآية: "في الأربعين يتناهى العقل ويكمل الفهم والحلم وتقوى الحجة".
حتى علماء التربية اشاروا ان سن الأربعين هو سن الإبداع.. أيضا لماذا؟!
ربما وصولي الأربعين هو الذي جعلني أبحث وأتأمل وأسأل
وأقارن بين كل هذه الحقائق وبين حقيقتي
أنا.. وأسئلتي الخاصة بحياتي أنا

ترى..
وأنا على أعتاب الأربعين ماذا أنجزتُ؟!
هل حققت طموحاتي وآمالي؟!
هل أعيش الحالة الإيمانية التي أتمناها لقلبي في ظلال معرفة ربي؟ بل السؤال الأصعب إن كان الجواب بـ لا.

هل أعمل لأصل هذه الحالة!
هل أعيش الحالة الأسرية الناجحة المستقرة المتوازنة!
أم أنني ما زلت أحبو للوصول إليها!
هل حققت ولو جزءاً من أهدافي التي وضعتها في سبيل نهضة أمتي وقضيتي؟!
الأياام مرت سريعة فهل كنت أنا المبطئة!

في ليلة الأربعين تطوف بي خيالات من ذكريات مضت.. أدرك بعضاً من أشياء جميلة مرت دون أن أشعر بجمالها..
فيها أستذكر وجوها عشت معها،
أدرك الروعة التي أمتلكها.
فيها أدرك أكثر أن لي أُمًّا رائعة علي أن أسعى بكل دفقاتي لرضاها
وأن لي زوجاً وأبناء يمتلكون بهاء الكون، عليّ أن أكون أمًّا صالحة راشدة أكثر لأصل بسفينتنا معاً إلى السعادة المرجوة.
عليّ أن أكون أكثر وفاااء وأشد التصاقاً بحيثيات تفاصيل حياة من أحب من أخوات لي في الله.. يحملني تلمس همّهن على صدق الدعاء.. ويحملني تلمس حوائجهن على قضائها..
عليّ أن أكون في ركاب الناهضين بأمّتي،
الفاتحين بالعلم والعمل أقفال العقول وفتور الهمم.

في ليلة الأربعين تتراءى لي مراحل عمري.. الفائتة..
طفولتي وشبابي وكأنها على سفح منحدر وأنا الواقفة على قمة جبل أتلفت..
تراه أين سيكون مستقبل أيامي..
في السفح الآخر للجبل..
أم في غيمة ستوصلني إلى غيمة أعلى إلى أن أصل لخيوط الشمس أتمسك بها فأصل إلى كل النور الذي أصبو إليه حيث الراحة والطمأنينة.. حيث المستقر الأخير والخالد.. حيث الجنة..

سن الأربعين..
سن القرار النهائي..

هل أريد أن أتجاوز كل عثراتي الماضية..
عثرات التسويف.. الأنا.. التخبط..
عدم وضوح الرؤية.. تضييع الوقت؟!
فلا أكررها..!

هل أريد أن أعيش سني عمري القادمة أكثر قرباً من ربي..
أكثر وعياً بأدواري..
أكثر تميزاً بأعمالي
أكثر نفعاً لمن حولي
أكثر وأكثر التصاقاً بي..
أم.. أريد…!!
—–
* قرآن كريم: سورة الأحقاف الآية 15

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد