علياءُ الجُرأة

الجرأة أيها الإنسان هي أن تصرخ في صمت، وأن تصمت والناس يصيحون، أن تبني مروجاً وحدائق وسط مجتمع يتغذى على الحرائق، كن أنت بجرأتك الإيجابية تجد في الحياة أبواباً كثيرة ذهبية لا تفتح إلا للشجاع ذي الرأي الرشيد، أو كما قال المَعَرّي:

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/08 الساعة 04:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/08 الساعة 04:15 بتوقيت غرينتش

لأن جرعة الجرأة السلبية الزائدة أصبحت وباءً سريع الانتشار؛ لأن الجرأة وصلت بالبعض إلى أن يعتلي شجرة الليمون، ويربط بها حبله بإحكام حتى لا يفلت عنقه منها، في مشهد لهروب جبان من مواجهة الحقيقة.

الجرأة ليست في أنك تحتسي قنية أو اثنتين من الخمر، وتصعد الطاولة، وتصيح بأعلى صوتك: (اللَّعنة على الحياة)! والجرأة لسيت في أنك تفتح يديك على سكة الحديد، وتُعانِق القطار، أو تتغذى على مبيد حشرات، أن تكون جريئاً هذا لا يعني أن تهاجم ديانةً أو معتقداً، أو أن تفتح قناة على الإنترنت، وتبدأ في القذف والشتم يُمنةً ويسرةً.

أن تدفعك جرأتك فتحمل حزاماً ناسفاً وتتغلغل وسط بني البشر وتفجر نفسك، أن تنتشي بسيجارة محشوة وأدوية مخدرة ليست بالجرأة، وأن تقف في وجه أمك وأبيك بسفاهة وعقوق.. ليست بجرأة.

الجرأة لم تكن يوماً قبضة في يد فتاة متحرشاً بمفاتنها، ولم تكن أبداً ليلةً حمراء فوق سرير زوجتك المسافرة.

الجرأة الحقيقية هي جرعة الأكسجين التي تستنشقها بعمق وتسترخي بعدها عند أول سوء فهم مع صديقك، هي خطواتك التي تأخذك بعيداً عند حوارٍ تجده مضيعة للوقت.

والجرأة هي أن تُخرِجَ لعدوك ألف عذر قبل أن تشن هجوماً بلسانك ويدك، هي أن تصنع من حبل مشنقتك ربطة عنق وردية في وجه اليأس، وعوض أن تفتح ذراعيك للقطار تفتحهما أكثر للأمل الذي تصنعه شمس كل يوم بأشعتها الدافئة.

الجرأة هي أن تترك جمعاً من الناس؛ لأنك اقتنعت أن لا منفعة في مجالستهم، وأن تصارح زوجتك أن لم تعد تحبها ولا تتخذ الخيانة حجاباً، وأن تكون على سجيتك.

أن تكون جريئاً يعني أنك قد ترفض كأس النبيذ من يد مديرك في اجتماع بفندق، وأن تقول (لا) عندما يقول الناس (نعم) مجاملةً، وأن لا تتجرأ على مال غيرك ولو كان بك خَصاصة.

الجرأة أيها الإنسان هي أن تصرخ في صمت، وأن تصمت والناس يصيحون، أن تبني مروجاً وحدائق وسط مجتمع يتغذى على الحرائق، كن أنت بجرأتك الإيجابية تجد في الحياة أبواباً كثيرة ذهبية لا تفتح إلا للشجاع ذي الرأي الرشيد، أو كما قال المَعَرّي:

الرّأيُ قَبلَ شَجاعةِ الشّجْعانِ ** هُوَ أوّلٌ وَهيَ المَحَلُّ الثّاني
فإذا همَا اجْتَمَعَا لنَفْسٍ حُرّةٍ ** بَلَغَتْ مِنَ العَلْياءِ كلّ مكانِ

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد