فيسبوك كفاك سؤالاً.. أفكر بنور

مارك الجالس هذا الصباح يلاعب ابنته ويبتسم لزوجته، ويحتضن كلبه الأليف. مارك الذي أهدانا عالماً من رموز وإشعاعات، وجلس يقرأ كتابه المفضل، بعد أن نزع عنا كتبنا عنوة وبكل لطف، بعد أن أبعدنا عن شرفاتنا عنوة لتذبل الرياحين عليها، بعد أن أبعدنا عن أطفالنا وأصدقائنا. كأنه يقول: تفضلوا.. هذا هو العالم الذي يليق بكم!

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/16 الساعة 05:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/16 الساعة 05:46 بتوقيت غرينتش

فيسبوك كفاك سؤالاً.. أفكر بنور.. نستيقظ صباحاً، نعد فنجان القهوة، نخرج إلى الشرفة نجلس على كرسينا المفضل ونشارك الشمس قهوتنا، نستمع إلى المذياع أو زقزقة العصافير. ونحن نراقب الصباح وهو يكبر، وينمو.

كم واحداً يفعل ذلك الآن؟
أنا لم أعد كذلك!

بتنا نستيقظ صباحاً، لنجري إلى هواتفنا النقالة لنتصفح ما هب ودب، نعد القهوة بيد واحدة حاملين الهاتف باليد الأخرى، ولم نعد نراقب بهدوء الفقاعات البنية، وهي تتراقص في ركوة القهوة ناشرة عبيرها الساحر، بعد أن كنا نجلس مسترخيين في كراسينا الهزازة حاملين مجموعة أوراق بعرض متر باحثين عن خبر هنا وهناك، مستمتعين برائحة الحبر الطازج الممزوج بعبق القهوة الصباحية. قررنا تبديلها بشاشة باردة، وأشعة باهتة.

عمَّ نبحث منذ الصباح؟

إنه السؤال اللطيف الذي يطرحه فيسبوك: بماذا تفكر؟ لم يقل لك صباح الخير! لم يقل لك هل أنت بخير؟ لم يقل لك هل شربت قهوتك؟ كيف كانت ليلتك؟ قالها ببساطة: بماذا تفكر؟ هل قصد – مارك زوكربيرغ – حقاً أن يعرف هذا الصباح ما يفكر به ملايين الأشخاص حول العالم!

مارك الجالس هذا الصباح يلاعب ابنته ويبتسم لزوجته، ويحتضن كلبه الأليف. مارك الذي أهدانا عالماً من رموز وإشعاعات، وجلس يقرأ كتابه المفضل، بعد أن نزع عنا كتبنا عنوة وبكل لطف، بعد أن أبعدنا عن شرفاتنا عنوة لتذبل الرياحين عليها، بعد أن أبعدنا عن أطفالنا وأصدقائنا. كأنه يقول: تفضلوا.. هذا هو العالم الذي يليق بكم!

قل أيها الرجل بماذا تفكر؟! بماذا تفكر منذ الصباح حتى تحمل هاتفك وتلج صفحتي الزرقاء بدل أن تدخل غرفة صغيرك وتلقي عليه نظرة؟ بدل الخروج إلى الشرفة والاستمتاع بصباحك ونسماته الباردة؟ بماذا تفكر وأنت تضع عينيك في الشاشة الباردة لتقرأ السخافات المسروقة، والثقافات الخلبية، والنصائح الاجتماعية التافهة التي تلقى عليك غير آبهة بعمرك أو درجة ثقافتك أو وضعك الاجتماعي، لتقرأها وتضحك بين الحين والآخر على النكات السخيفة.

بماذا تفكر وأنت تشاهد أثار دماء انفجار الأمس منذ الصباح، بدل الاتصال بأحدهم والاطمئنان عليه؟

بماذا تفكر وأنت تتابع أخبار أخيك الساكن على بعد حيين منك، بدل زيارته هذا الصباح وشرب القهوة معه بعد إيقاظه عنوة؟
بماذا تفكر وأنت تتابع نجم كرة القدم منذ الصباح بدل تأسيس فريق من أبناء حيك؟
بماذا تفكر وأنت تقف كالأبله أمام مشهد قد ترى أجمل منه لو نظرت خارج نافذتك لبائع الحليب الذي أوقف جراره هناك منذ الفجر؟
بماذا تفكر وأنت تبتسم لصورة لطيفة لطفل صغير، تاركاً طفلك ينكزك وهو يبتسم وأنت غير آبه له؟
بماذا تفكر وأنت تتابع أخبار النجم السينمائي المفضل لديك تاركاً زوجتك تقف وحيدة في المطبخ تحضر الفطور، بدل أن تجلس على مائدة المطبخ تراقب من انتظرتها طويلاً تحت المطر، ومشيت إليها بلا مظلة؟
بماذا تفكر وقد تركت الشمس تشرق لوحدها، وتتسلق قبة السماء لوحدها، وستغيب دون أن تشهد زوالها؟

هكذا أفهم سؤال فيسبوك. (بماذا تفكر؟!)
أما وقد ذكرتها لن أنسى إحدى أجمل المنشورات التي قرأتها يوماً ما لأحد المستخدمين وهو يقول:
فيسبوك كفاك سؤالاً.. أفكر بنور!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد