كردستان الثامنة.. دولة أجهضتها إيران في يومها الـ22

ولربما يظن الناظر للوهلة الأولى أن أنقرة صاحبة التصريحات النارية هي أكثر من ساهم في وأد دولة الأكراد بمهدها، لكن الوقائع تقول إن طهران التي تعمل بصمت أكثر لعبت فعلياً داخل الميدان وأجهضت الحلم عبر حرسها الثوري وقائده الجنرال قاسم سليماني

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/03 الساعة 05:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/03 الساعة 05:15 بتوقيت غرينتش

ثماني محاولات خلال أقل من قرن بدأت منذ عام 1922 وانتهت عام 2017، سعى خلالها الكرد للاستقلال وإعلان دولتهم الكبرى، ولكن الفشل كان دوماً نصيب تلك المساعي لأخطاء عدة، أهمها سوء اختيار الوقت والحلفاء الضامنين على حد سواء.

لم يدرك الكرد في العراق تحديداً فصول اللعبة، وظنوا أن الترويج للمظلومية سيمنحهم حظاً أوفر لنيل تعاطف الرأي العام مع قضيتهم، ولكنهم غفلوا عن نقطة مهمة هي أن معظم أنظمة دول العالم لديها فوبيا الأقلمة، وخشية إثارة نزعات الانفصال داخل بلدانهم، وبالتالي فمن المستبعد جداً أن تمنح بعض الحكومات الواقعة ضمن محور صناعة القرار الأممي أي موقف بالإيجاب حتى لو كان إيحاء بالرضا والقبول في انفصال إقليم كردستان عن العراق، فحمّى الاستفتاء وصلت إلى إيطاليا بعد كتالونيا ليعلن إقليما "لومبارديا والبندقية" وهما من أغنى المناطق في إيطاليا تنظيمهما استفتاء للحصول على الحكم الذاتي، ولا نعلم مَن سيكون التالي؟

من سوء حظ الكرد الطامحين للاستقلال أن يكون مركز وجودهم بين ثلاث دول متجاورة لها عمق تاريخي وحضاري وموروث بنكهة العنفوان الإمبراطوري الذي حال دون إيجاد أي أجواء انفصالية لدى الأقليات فيها، فكيف والمنطقة بأكملها تغلي اليوم بالأحداث في ظل الحديث عن شرق أوسطي جديد، والكل يتدافع نحو تحصين نفسه، وإن كان الثمن رسم حدود بالدم، كما ورد ذلك في كتاب "لا تترك القتال أبداً" للكولونيل الأميركي "رالف بيترز" عام 2006، الذي تناول ما سمّاه الخلل الكبير في الحدود الاعتباطية الحالية التي وضعها الأوروبيون، حيث تقدّم "بيترز" منذ ذلك الوقت بخريطة أميركية مبتكرة عدها بديلة لـ"سايكس بيكو" البريطانية الفرنسية قبل أكثر من 100 عام، والتي تطرق فيها أيضاً حول تشكيل دولة كردية في شمال العراق.

المواقف الارتجالية والعفوية والاندفاع بحكم العاطفة القومية لدى الأحزاب الكردية كانت أبرز العوامل التي أدت لانتحار سريع لمشاريع الانفصال على مدى قرن مضى، وآخر من أطلق النار على رأسه هو رئيس إقليم كردستان العراق "مسعود بارزاني" الذي نجح إلى حد ما في بناء دولته الكردية داخلياً فقط عبر التمهيد تثقيفياً طوال 22 عاماً، مستغلاً حدود الحماية التي وفرتها له الولايات المتحدة الأميركية، بالاشتراك مع حلفائها وبموافقة مجلس الأمن من خلال فرض منطقة حظر للطيران شمال خط العرض 36 فوق الأراضي العراقية، فتوجه الإعلام الكردي منذ عام 1991 لشيطنة حكومات بغداد المركزية، وهو ما أسهم في تأسيس أجيال مشبعة بحلم الاستقلال، الذي تبلور جلياً عبر تصويت أكثر من 97 بالمائة من الأكراد بـ"نعم" للانفصال بعد إجراء الاستفتاء بتاريخ الـ 25 من سبتمبر/أيلول للعام الجاري، أما خارجياً فقد توهم بارزاني أن الظروف الدولية والإقليمية مهيأة لاحتضانه ودعم قراره، بينما غفل عن دور أهم لاعبين في المنطقة وهما إيران وتركيا.

ولربما يظن الناظر للوهلة الأولى أن أنقرة صاحبة التصريحات النارية هي أكثر من ساهم في وأد دولة الأكراد بمهدها، لكن الوقائع تقول إن طهران التي تعمل بصمت أكثر لعبت فعلياً داخل الميدان وأجهضت الحلم عبر حرسها الثوري وقائده الجنرال قاسم سليماني، الذي كان حاضراً شخصياً للإشراف على معركة إعادة الأكراد لحدود عام 2003، كما أكد ذلك مستشار الأمن السابق في وكالة الاستخبارات العسكرية الأميركية "مايكل بريجنت"، الذي قال على صفحته الخاصة في موقع تويتر بأن "سليماني أشرف على عمليات الميليشيات في كركوك بعد يومين من خطاب ترامب القوي ضد إيران".

وبالفعل فقد وصلت قوات الحكومة المركزية في بغداد إلى أبعد منطقة كانت خاضعة للسيطرة الكردية بعد عام 2003 استولت البيشمركة عليها خلال فترة الحاكم المدني الأميركي "بول بريمر"، بدءاً من خانقين، مروراً بقضاء طوز خورماتو في صلاح الدين، وصولاً إلى مخمور والكوير وسد الموصل وسنجار وانتهاءً بمثلث فيش خابور التركي – العراقي – السوري، وهي سيطرة تكرّس قوساً كاملاً على الخريطة العراقية الداخلية، بدءاً من الحدود الشرقية للعراق مع إيران، وانتهاءً بالحدود الشمالية مع تركيا، وبذلك ضمنت طهران اكتمال بدرها الشيعي وإنشاء ممرها إلى البحر المتوسط الذي هدده الحلم الكوري، كما صرح بذلك وليس بزلة لسان ولا عن الهوى ينطق زعيم حزب الدعوة الحاكم في العراق "نوري المالكي"، حين أكد أن إجراء الاستفتاء وقيام دولة الكرد سيؤثر على استقرار إيران وسيضر بمحور التشيع كله، وهو نفسه من يتبنى اليوم مقترحاً بات يروج له لضمان عدم عودة طرح فكرة الانفصال مستقبلاً من خلال إنشاء إقليميين كرديين بحكم ذاتي، بدلاً من واحد كما كان عليه الحال منذ عام 1970؛ الأول يضم السليمانية وحلبجة ويديره حزب الاتحاد الكردستاني المقرب والمدعوم إيرانياً، والآخر يضم أربيل ودهوك ويديره الحزب الديمقراطي الذي يتزعمه مسعود بارزاني.

في المحصلة النهائية، فإن مقامرة بارزاني في إصراره على إجراء الاستفتاء ارتدت عليه بحسب صحيفة "فايننشال تايمز"، فيما وصف مقال بصحيفة "واشنطن بوست" انتصار بغداد في كركوك بـ"انتصار الشر"، في إشارة لهيمنة إيران على الثروات النفطية الكبيرة بشمال العراق.

أما البروفيسور في كرسي الشرق المعاصر بكلية التاريخ وعلم السياسة والحقوق في الجامعة الروسية الحكومية للعلوم الإنسانية "غريغوري كوساتش" فعلّق بدوره على الموضوع بالقول: "إنه ومن دون المشاركة الإيرانية الحثيثة، كان يستحيل على القوات العراقية فرض سيطرتها السريعة على كركوك"، مؤكداً أن طهران تمكنت في عملية كركوك من اصطياد عدة عصافير بحجر واحد، حيث لعبت على التناقضات الكردية، وأضعفت موقف قيادة الإقليم المتحالفة مع واشنطن، كما تمكنت طهران من ترسيخ وجودها في صناعة القرار داخل بغداد، فضلاً عن أنها أنشأت لنفسها موقعاً أمامياً استراتيجياً في العراق يمكِّنها من الاستعداد بصورة أفضل للمواجهة المحتملة مع واشنطن.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد