صديقنا مجرم الحرب

من أهم العبر التي ينبغي علينا أن نتعظ منها في قصة العراق الحزينة، هو أننا ينبغي أن نعمل سريعا لإنجاح ثوراتنا، ولإنصاف شعوبنا من هذه الأنظمة العميلة الفاجرة، قبل أن يحدث ما نراه اليوم من جرأة بعض أنصار الاستبداد في الترحم على صدام حسين، لا يمكن أن ننتظر حتى نرى من يترحم على "بن علي"، و"القذافي"، و"مبارك"، و"علي عبدالله صالح" لأننا لم نتمكن من قيادة حراكنا الثوري لكي يؤدي إلى خير هذه الشعوب التي ضحت، ودفعت ثمن باهظا للثورة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/10 الساعة 04:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/10 الساعة 04:14 بتوقيت غرينتش

صدر تقرير "تشيلكوت" منذ أيام، وهو تقرير وصفه المحللون بالمهذب، والحقيقة أنه يقول بكل تهذيب للسيد "توني بلير" (أنت مجرم حرب) !

في أكثر مليوني كلمة مدعومة بأدلة قاطعة من آلاف الوثائق الواضحة مصاغة بلغة دبلوماسية، قدم السير "تشيلكوت" ما يدين المسؤولين إدانة كاملة.

يقول التقرير :

-(إن بريطانيا اختارت المشاركة في غزو العراق قبل استنفاد كل الخيارات السلمية.

-العمل العسكري في مارس/آذار 2003 لم يكن ضروريا، إذ لم يكن هناك أي تهديد وشيك من صدام حسين، وكان من الممكن تهيئة استراتيجية احتواء والاستمرار بها لبعض الوقت، وكانت غالبية مجلس الأمن تدعم استمرار الأمم المتحدة في أعمال التفتيش والمراقبة.

-قدمت الأحكام المتعلقة بوجود تهديدات، والتي تمثلها أسلحة الدمار الشامل العراقية، بدرجة يشوبها تأكيد غير مبرر.

-المعلومات الاستخباراتية "لم تقدم بما يقطع الشك باليقين" أن صدام حسين استمر في إنتاج أسلحة كيميائية وبيولوجية.

-اعتمدت السياسة بشأن العراق على أساس معلومات استخباراتية مغلوطة وغير دقيقة).

وإلى آخر المعلومات الفاضحة التي وردت في التقرير.

***
من اللافت للنظر هنا أن السيد "توني بلير" منذ خروجه من السلطة وإلى اليوم لم يتعامل معه أحد في الدنيا كلها تقريبا إلا بعض الأنظمة العربية التي أرادت الانتفاع بخبراته في الحروب القذرة، وباتصالاته الدولية مع العالم السفلي لتجار الحروب.

هناك مجموعة من السياسيين الكبار مثل "توني بلير"، و"جورج بوش" الابن، و"رامسفيلد" وزير الحرب الأمريكي الذي شن هذه الحرب، وغيرهم … أصبحوا منبوذين من العالم كله، ولا يكاد يتعامل معهم أحد، وأصبحت جميع المؤسسات تتعامل معهم على أنهم مجرمو حرب بالفعل.

لقد وصمتهم حرب العراق … وحكم عليهم العالم بالإجرام، حتى وإن لم يصدر ضدهم أي أحكام رسمية.

***
رئيس جمهورية الأمر الواقع في مصر "سيسي" صديق صدوق للسيد "توني بلير"، ولا غرابة في ذلك … فكلاهما غارق في جرائم ضد الإنسانية.

ابحث عن أصدقاء "بلير"، وعمن يتعامل معه اليوم، وعن أصدقائه الآن، لتتعرف على أقذر الأنظمة السياسية، وأحط السياسيين على وجه الأرض، وستجدهم للأسف من بني جلدتنا !

***
اعتذار بلير لم يكن لمئات الآلاف من الأطفال العراقيين الذين ماتوا بسبب الحصار، ولا لآلاف من الذين يعانون من آثار اليورانيوم المنضب، ولا بسبب النهب الثقافي لآثار العراق التاريخية، ولا لملايين العراقيين الذين تشردوا، ولا لشعب كامل فقد كل مدخراته في فترات الرخاء … اعتذار "بلير" لم يكن عن قرار الحرب أصلا، بل عن "الأخطاء التي شابت غزو العراق من حيث التخطيط والتنفيذ"، وهو في الحقيقة اعتذار للبريطانيين الذين تضرروا من هذه الحرب (عائلات الجنود الذين قتلوا هناك، وعن الآثار الاقتصادية وما شابه ذلك).

زعيم حزب العمال المعارض، جيرمي كوربين سارع بتقديم اقتراح لمجلس العموم البريطاني، لاتخاذ إجراءات ضد بلير بسبب التضليل الذي مارسه في الفترة التي سبقت الحرب على العراق.

كما أعربت عائلات جنود بريطانيين قتلوا في حرب العراق عن رضاهم عن النتائج التي توصلت لها لجنة السير تشيلكوت، وأكدوا لقناة "بي بي سي" أنهم سلموا نسخا من التقرير لمحامين لمتابعة الأمر.

***
إن ما يحدث عملية إذلال علني لهذا المجرم، ولكن هل يمكن أن يسجن "توني بلير"؟

في رأيي : سيجد ملاذا من السجن عند أصدقاءئه المخلصين، عند أنظمتنا العربية، سوف يحمونه، ويكرمونه، للاستفادة منه في صراعهم مع شعوبهم، ومع ثورات الربيع العربي.

سيجد ملاذا بجوار "بن علي"، و"الصحّاف"، وغيرهم !

***
من أهم العبر التي ينبغي علينا أن نتعظ منها في قصة العراق الحزينة، هو أننا ينبغي أن نعمل سريعا لإنجاح ثوراتنا، ولإنصاف شعوبنا من هذه الأنظمة العميلة الفاجرة، قبل أن يحدث ما نراه اليوم من جرأة بعض أنصار الاستبداد في الترحم على صدام حسين، لا يمكن أن ننتظر حتى نرى من يترحم على "بن علي"، و"القذافي"، و"مبارك"، و"علي عبدالله صالح" لأننا لم نتمكن من قيادة حراكنا الثوري لكي يؤدي إلى خير هذه الشعوب التي ضحت، ودفعت ثمن باهظا للثورة.

إن اتحاد كل من يؤمن بهذا الوطن وبهذه الثورة فرض عين، وتفرقنا يعرض الأمة كلها، بدولها ومؤسساتها وشعوبها، وحاضرها، ومستقبلها … يعرضها لأخطار وجودية لم تواجهها من قبل.

فهل يسمع المتصارعون على الغنائم والفتات؟

هذه التدوينة نشرت على موقع عربي 21 للاطلاع علي النسخة الأصلية اضغط هنا

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد