ما يجول في خواطرنا

ما يجول في خواطرنا أسمى وأرفع بكثير من عالم الماديات، الذي نعيشه، والذي تحكمه غطرسة البعض وقوتهم المادية، هناك في تفكيرنا الصامت نتعامل مع أرقى النفوس، مع إنسانيتهم ومعنوياتهم وضمائرهم وليس مع مادياتهم.

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/04 الساعة 03:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/04 الساعة 03:30 بتوقيت غرينتش

لطالما سمعنا ورأينا وخضنا تجارب كثيرة في حياتنا، خرجنا من أزمات ودخلنا في مواقف وُصفت بأنها الأصعب، من خلال تجاربنا الشخصية تخطينا حواجز عالية، واتخذنا قرارات مصيرية تعلقت بحياتنا ومستقبلنا، خضنا معارك خاسرة، وأخرى رابحة في علاقاتنا الاجتماعية القاسم المشترك بين كل هذه الأحداث وتطورها أنها قضاء الله وقدره، وكما نعلم أن القدر مكتوب.

نستحضر بعض هذه المواقف، وما أفرزته من تجارب، ورؤية باتت واضحة وضوح الشمس، وبشكل تلقائي تتكون الأفكار التي تجول في خواطرنا نفكر ونخطط ونتخذ مواقف، ونحدد علاقات حاضرة ومستقبلية، نرسم حدوداً جديدة مع الأشخاص والمحيطين بنا لعدة أسباب.

وكما نعلم أن الفكر هو الموجه الرئيسي لسلوكنا، وأساس أي تغيير أو تطور في حياة الإنسان يجب أن يبدأ بتغيير الفكر؛ لأنه الأساس في رسم وتخطيط ما نصبو إليه في حياتنا.

كم تمنينا أن نكون متقدمين ومختلفين عن الآخرين، وأقصد بالآخرين عن المحيطين بنا، بداعي المثابرة والتميز والمنافسة الشريفة.

كم تمنينا أن نختار أحدهم ليكون حبيباً أو صديقاً مقرباً، أو حتى أرشيفاً لأسرارنا نبوح له بكل ما نريد، وبصوت عالٍ أقرب للصراخ تعبيراً عن فرحتنا بهذه الفرصة.

كم تمنينا أن نصرح لأحدهم بمشاعرنا، وما نخبئه له من حب ومودة أو حتى شخص غريب فقط لجمال عينيه، ولأنه أتاح لنا فرصة البوح بما نشعر به نراقب أشخاصاً لا نعرفهم، فقط لمجرد موقف واحد أو حتى إشارة واحدة ربما تكون غير مقصودة، ولكننا سرحنا وبالغنا كثيراً بهذه الإشارة مواساة لأنفسنا.

كم تمنينا أن نكون قادة في المجتمع، وأشخاصاً مؤثرين في مواقعنا ومراكز عملنا، وأن نشغل مناصب لتقديم خدمات لكل مَن يحتاجها وما يمليه علينا ضميرنا الإنساني.

أليس ما يجول في خواطرنا نوعاً من أنواع الطموح والفكر الصامت الإبداعي؟

أليس ما يجول في خواطرنا دعوةً لتقويم الذات والظهور بأفضل صورة ممكنة؟

ما يجول في خواطرنا أسمى وأرفع بكثير من عالم الماديات، الذي نعيشه، والذي تحكمه غطرسة البعض وقوتهم المادية، هناك في تفكيرنا الصامت نتعامل مع أرقى النفوس، مع إنسانيتهم ومعنوياتهم وضمائرهم وليس مع مادياتهم.

طبيعتنا الإنسانية ترفض كل أنواع الظلم، وما ينتجه عالمنا المحسوس من سلبيات، والذي نراه في مجتمعاتنا وإن وافقنا عليه على أرض الواقع نجد أنفسنا نرفضه تلقائياً في داخلنا، نقول لأنفسنا هذا خاطئ، ولا يتوافق مع تفاصيل إنسانية الإنسان.

ولكن بالمقابل ألم نفكر بتفكير سلبي، ألم نخطط لبعضهم بالمكيدة وأغرتنا ماديات الحياة، وتسللت سلبيات العالم المادي إلى خواطرنا، وخاضت معارك داخلية مع ضميرنا الإنساني، هل تستطيع أن تقول لي مَن يكسب المعركة في الغالب؟

مهلاً مهلاً لا يمكنك الخلط بين الإنسانية وطبائع البشر!

الإنسانية ثابتة، أما طبائع البشر فمتقلبة، وتختلف فيما بينها من شخص لشخص، هذا في مفهومه العام كله بتقدير الرب الكريم، ولحكمة أرادها هناك الصالح والسيئ، نحن نتحدث عما يجول في خواطرنا محاكاة للطبيعة الإنسانية وضميرها الحي، بعيداً عن توجهات البعض السلبية التي تلوثت إنسانيتهم لعدة أسباب ومصالح مادية دنيوية.

الابتعاد عما يمليه علينا ضميرنا الداخلي والالتفات للمغريات الخارجية المادية، سبب رئيسي لتلاشي الصواب والحق في الإنسان، نسير هنا في طريق مظلم غالباً سيكون طريق الهلاك، وستكون الخواطر السلبية سيدة الموقف المرتبطة بطبيعة الشخص ذاته لا دخل للإنسانية فيها.

كارثي ومؤلم أن تتزاحم الخواطر والأفكار في مخيلتنا، ولا نجد في هذا العالم الواسع مَن يسمعنا ويفهمنا، لا نجد من يصغي إلينا ويشاركنا رأيه بهذه الخواطر، هنا فقط نشعر بالوحدة واليأس، وكأننا نعيش لوحدنا في هذه الدنيا، ربما ستصل لمرحلة عدم الثقة بالنفس؛ لأن خواطرك تنبع من داخلك وتموت بداخلك، وكأنها أسيرة كأحلامك الصعبة لا تقوى على الحراك، وكتب عليها البقاء في أرشيف فكرك الباطني.

لا نريد من أحد أن يساعدنا أو أن يعطف علينا، فقط نريد مَن يسمعنا ويصغي لما في داخلنا من خواطر وأفكار صامتة لا نستطيع البوح لأي شخص عنها، فقط نريد مَن يفهم ويشاركنا هذه الخواطر التي تنسجم مع طبيعة الإنسان العاقل، والمفعم بالعواطف الإنسانية البحتة.

نزار قباني وغسان كنفاني وجبران خليل جبران وأحلام مستغانمي وغادة السمان وأحمد الشقيري وإبراهيم الفقي، والقائمة تطول من هؤلاء الرموز ألم يستخدموا خواطرهم بإيجابية، التي شرحت الواقع ووضحت لنا أموراً تدلنا لطريق الخير، فمنهم من استثمر خواطره للتقرب من الله، ومنهم مَن بسط لنا الحب لنطبقه فيما بيننا، ومنهم مَن زودنا بجرعات غير محدودة من التنمية البشرية ورفع المعنويات.

ما يجول في خواطرنا من جوانب إيجابية نابعة من إنسانية الإنسان وجوانب سلبية نابعة من طبيعة الشخص المتقلبة، تحتاج لذلك الشخص المتحمس لسماعها والمتفاعل معها، لا يحمل أي توجهات ومواقف سلبية تجاهها، تحول دون وصول فكرتها الأساسية للعالم الخارجي

اختلاف التفكير والسلوك وثقافة وطبيعة ومزاجية الأشخاص هو أمر طبيعي، وهذا ما يفسر وجود خواطر إيجابية وأخرى سلبية، خواطر تميل للخير وأخرى تميل للشر، مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالنفس البشرية وكما نعلم النفس أمارة بالسوء.

قلوب البشر وعقولهم واحدة في تكوينها الخلقي سبحان الخالق، لكن الاختلاف في الطباع التي تنبئ عن صاحبها، وتدل عليه وكل عضو في الإنسان، وما يتركه من أثر لدى الآخرين، وما يصدر عنه من خير أو شر وغيرها من أمور تختلف في المقصد والغاية بين إيجاب وسلب، بحسب ما يوجهنا إليه ذلك القلب، فإن كان هذا القلب مستجيباً لشرع الله، متعمقاً فيما يدعو إليه دين الإسلام اهتدى مع صاحبه إلى طريق الخير والمحبة، وإذا كان عكس ذلك سيكون من أهل الشر والبغضاء.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد