عن جناح الثائر المكسور

ببساطة لم يتم قتل الإنسان الحديث فقط، بل قتلوا إنساننا القديم ونحروا على أكتافه آلاف السنين من التراث، كنا نواجه العالم ونلوح به للأفق، ربما هذا ما كنا نمتلك وليس غيره على الإطلاق وتم سلبه منا.

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/06 الساعة 03:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/06 الساعة 03:11 بتوقيت غرينتش

عن المجنح الثائر الذي يقف معتزاً عند بوابات نينوى القديمة، فارداً صدره يصد الريح إذ تعوي، عن تلك الصروح التاريخية التي روت ماضياً يفيض حضارةً وعراقةً ورقياً، عن نينوى قديماً ومدينة النمرود، عن رقم ومنارات ومساجد وكنائس تحكي ألف قصة صمود بوجه كل غاز معتدٍ، ومع جيوش المسلمين الفاتحين.

تحكي قصص الناس الراحلين والعائدين والساكنين، عن روح طاهرة تعبق في زوايا وحواري المدينة، عن أنبياء وجامعة وحدباء وأزقة عتيقة، عن ربيعين اثنين، ورائحة المطر الممتزجة بتربة الأرض المعطاء، عن أخلاق أهلها وعفة بيوتاتها.

عنها وعن الكثير والكثير الذي فيها ويحتويها، ويفيض منها، وينطوي بين أنفاسها أصالة، أتساءل: لماذا تم اغتيال كل هذا؟ لماذا كان كل كذلك ولم يستثنَ شيء ألم يكفِهم إراقة دمائنا؟ ألأننا لا نموت إلا بموت كل ذلك؟! ألأننا كل ذلك متجسدون به جميعاً؟

بعد السنين الثلاث التي مرت نشعر بأننا نقف لوحدنا وبمفردنا، نواجه العالم ومستقبلاً مجهولاً تمت سرقة جذوره المتعشقة في عمق التاريخ، فماضٍ تم نسفه وتفجيره وسرقته، وحاضر يترنح بين سقوط وسقوط، هناك مستقبل مجهول الملامح، هناك ما لا نستطيع توقعه أو حتى التخطيط له.

ببساطة لم يتم قتل الإنسان الحديث فقط، بل قتلوا إنساننا القديم ونحروا على أكتافه آلاف السنين من التراث، كنا نواجه العالم ونلوح به للأفق، ربما هذا ما كنا نمتلك وليس غيره على الإطلاق وتم سلبه منا.

تعدت الأطماع مسألة السائل الأسود النفط؛ لتبتلع حتى التاريخ وتخطف منا الهوية وتحيل قداسة المسجد ومنارته والكنيسة والصليب إلى أشلاء تهوي بها الرياح ولا تعود، تلك الأطماع رخصت الإنسان لتجعله الأداة والوسيلة لاصطياد الحلم والبراءة والطفولة، وخنق أنفاسها، وسحق ما تبقى منها، ودفن تاريخها في وطن بلا وطن تائه عبر الزمن ليس من ميناء ولا مرسى بعد أن كان له صروح أصبح اليوم بلا روح.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد