هل بات سباق الرئاسة الأميركية محسوماً لصالح مرشّحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون أم مازال الحكم بذلك مبكراً؟
تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية قام بتحليل لنتائج استطلاعات الرأي ونتائج الانتخابات السابقة خرج بنتيجة أن الفوز محسومٌ لصالح كلينتون.
تقول الصحيفة أنه بعد 3 شهور من الآن، ستبصر العين في مرآة السيارة الجانبية، الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016. وستتفق حينها أن أمرها كان محسوماً منذ التاسع من أغسطس.
من المؤكد أنه لا يصح أن نجزم بحتمية أمرٍ ما في عالم السياسة.
لماذا حسم السباق؟
المهنية والحيادية الصحفية تحتّم علينا قول أن السباق لم ينته بعد- حتى ينتهي بالفعل في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2016- كما تقوم معظم وكالات الأنباء في تناولها للسباق الرئاسي، من أجل جذب المزيد من القراء و المتابعين، بدلاً من أن يشرحوا للناس لماذا هذا السباق محسومٌ بالفعل.
ولكن بالفحص الهادئ للمعطيات المتوفرة وبإلقاء نظرةٍ باردة على الأوضاع المطروحة على الساحة، وعلى المرشحين وحملاتهم وردود الأفعال عليها، عندها لا يمكنك الخروج إلا باستنتاج واحد: هيلاري كلينتون سوف تسحق دونالد ترامب في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، ولن يكون الفارق بسيطاً حتى، كما كان الأمر مع باراك أوباما في مواجهة منافسه "ميت رومني".
أولاً، أعداد المصوتين في استطلاعات الرأي مبهرة
تعبر استطلاعات الرأي- قبل المؤتمرات الرئاسية- عن حالة تنافسية بعض الشيء، ولكن كلينتون تبقى في المقدمة في معظم الحالات، في حين تعبر الاستطلاعات التي تم إجراؤها بعد المؤتمر، عن قيادة كلينتون للوضع وبفارق كبير يجعلها تشعر بالارتياح تجاه الأمر.
يوضح الاستطلاع الذي قامت به وكالتا الأنباء (NBC/wall street) تقدم كلينتون بفارق 9 نقاط. بينما يوضح استطلاع (fox news) الفارق بـ10 نقاط لصالح كلينتون أيضاً، و يظهر استطلاع واشنطن بوست ووكالة أنباء ABC الفارق بثماني نقاط.
قد يختلف الواقع مع هذه الاستطلاعات في عدد من النقاط أو حتى بفارق كبير في النقاط. ولكن لا يمكن الهروب من حقيقة أن الأمر محسوم بالفعل.
وتحتفظ كلينتون بمكانة ثابتة تقود منها السباق الرئاسي، ويليها ترامب بفارق غير قليل، ويليهما الليبرالي جاري جونسون ويليهم جميعًا مرشح الحزب الأخضر، جيل ستين. ويوجد عددٌ قليل من المصوّتين الذين لم يحسموا قرارهم بعد.
ميلٌ جمهوري لكلينتون
وتؤكد استفتاءات الدولة النتائج التي تظهرها الاستطلاعات المحلية مع بعض الميل الجمهوري تجاه كلينتون.
يعاني مرشحا الحزبين الرئيسيين، من تقييمات شخصية سيئة جدًا، وهذا شيء غير مسبوق ولا يمكن تجاهله، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن العملية الانتخابية ستتأثر بهذا ليقترب المرشحان من بعضهما، وتعود المنافسة بينهما كما أكد البعض.
تتراوح نسب كلينتون المؤيدة في الاستطلاعات بين 38% طبقاً لاستطلاع (NBC /WSJ) و 48% طبقاً لاستطلاع (The Washington Post/ABC News ) بينما تتراوح نسب ترامب بين 28 و 38 % في كلا الاستطلاعين على الترتيب.
وتصل النسب المعارضة لكلينتون 53% و 50% في كلا الاستطلاعين أيضًا. وترامب بين 60-61 %.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، سوف تحتاج كلينتون إلى أصوات حفنة من هؤلاء الذين لا يفضلون وجودها كرئيس للولايات المتحدة، بينما سيحتاج ترامب لأصوات أعداد كبيرة من هؤلاء هؤلاء المعارضين لآرائه.
ثانياً، تظهر الاستطلاعات أن الحزب الجمهوري يخوض هذا السباق متماسكاً و بهدوء، بينما يسير الحزب الديمقراطي سير المتعثّر المضطرب.
وتستقطب كلينتون طبقة السيدات في أميركا. وتحتفظ بفروقٍ أكبر من الفروق التي أظهر بها أوباما تقدّمه في 2008 أو في 2012.
في نفس الوقت، يقترب أداء ترامب -بين الرجال- من أداء ماكين (بلا أي تفوق) ويتفوق على روماني بفارق بسيط.
الناخب الأبيض
يستقطب ترامب الناخب الأبيض، بخمس نقاط طبقاً لتقرير (NBC/WSJ) و 12 نقطة (Post/ ABC) و 14 نقطة طبقاً لCNN
بالرجوع للانتخابات السابقة نجد أن ماكين خسر السباق الرئاسي بفارق سبع نقاط، في ظل حصوله على 12 نقطة كما هو الحال –تقريباً مع ترامب. وخسر رومني أمام أوباما بفارق 4 نقاط على الرغم من استقطابه للبيض بمجموع 20 نقطة.
مازالت هناك مشكلة كبيرة تواجه ترامب، فانشقاق الصف في الحزب الجمهوري ليست مشكلة سهلة. فلا يبدو أنه سيستحوذ على الكثير من أصوات الجمهوريين أو هؤلاء الذين لم يحسموا أمرهم بعد، حتى و إن غضضنا الطرف عن إعلان مدير السياسات في مجلس الحزب الجمهوري – إيفان ماكموللين- ترشحه كمرشح مستقل.
أوضحت إحدى الاستفتاءات انشقاق 5%من الجمهوريين عن ترامب، والتي تعبر عن نسبة طبيعية جداً ومتوقعة.
في الوقت الذي حصلت فيه كلينتون على 11% من أصوات الجمهوريين، و التي تعد النسبة الأعلى –في الـ4 انتخابات الأخيرة- التي حصل عليها مرشح عن الحزب الديمقراطي من أصوات الجمهوريين.
ولكن ألا يمكن أن تتغير الأمور بطريقة درامية، عن طريق حدوث بعض العمليات الإرهابية في البلاد أو أمور مشابهة؟ بالطبع، كل شيء محتمل ومن الممكن أن تنقلب الموازين بالفعل.
وترى "واشنطن بوست" أنه لا أحد يمكنه أن يطلع على المستقبل، ولكن بما لدينا من معطيات، وحتى وجود أحداث كبيرة أخرى، فلا يوجد أي سبب واضح يجعلنا نقول أن الأمور ستتجه إلى كفة ترامب في الفترة القادمة وحتى انتهاء الانتخابات.
بشكل أوضح ترامب يحتاج لتغير جذري في موازين السباق. ولكن كل مرشح يعرف ما له وما عليه.
فكل من كلينتون وترامب تم تمحيصهما والتدقيق في كل ما قالوه وفعلوه من قبل وكالات الأنباء، على مدار عام كامل. قد تظهر معلومات جديدة تقلب موازين السباق، ولكن الاهتمام والفحص الذي اجتازه كلا المرشحين يجعل من الصعب اكتشاف أمر ما يغير من مجريات هذا السباق.
هل مازال الوقت مبكراً؟
ماذا عن جدلية "إننا ما زلنا في أغسطس/آب"؟ معظم الانتخابات تحسم في نهاية الصيف، وليس في شهر أكتوبر/تشرين الأول والأكثر أهمية أن ترامب لم يعمل على خطة ما في الصيف والربيع ستمكنه من حصد الثمار في الخريف.
السقوط الكبير الذي لحق مايكل دوكاكيز بعد تفوقه بما يفوق العشر نقاط إلى خسارته في نوفمبر، تجعل من الممكن حدوث تغير كبير مثله في هذه الدورة.
في الحقيقة حدث هذا التغير الكبير في عام 1988، ولكن هذا التغير حدث في مرحلة المؤتمرات. أي إن هذه الزيادة المفاجئة التي حدثت لجورج بوش الأب ناتجة عن بعض الأحداث التي جرت في آخر شهرين، إذ استطاع المرشح المنافس أن يستحوذ على 2000 صوت بفضل مؤتمرات الديمقراطيين، ولكن جورج بوش الأب استطاع أن يستعيدهم مرة أخرى بعد أسابيع قليلة، طبقاً للاستطلاعات. وتفوق جيمي كارتر على منافسه ريجان في أكتوبر 1980 قبل أن يبدأ السباق المفتوح أمام الجمهوريين، ولكن ترامب ليس ريجان، ومعظم السباقات الرئاسية تحسم مبكراً.
هل يتحسن أداء ترامب؟
وأخيراً، ترى "واشنطن بوست" أنه لا يوجد سبب واحد يجعلنا نتوقع تحسن أداء ترامب كمرشح، فهو لا يبدو كرئيس لديه التمكن المعرفي من القضايا التي سيواجهها، ولا يبدو انه سيكشف عن أشياء جديدة لم يكشف عنها قبل الانتخابات التمهيدية. كما لا يبدو أن لديه أي نية لتوسيع قاعدة دعوته الانتخابية.
كما أنه تلفظ بقائمة طويلة من التعليقات التي يمكن تقييمها بين كونها حمقاء إلى كونها بذيئة وخطيرة، والتي لن يتمكن من التراجع عنها خلال 13 أسبوعاً قبل يوم الاقتراع.
في مايو/أيار 2016 كتبت مقالاً يقول إن كلينتون لها "ميزة كبيرة" عن ترامب، أما الآن بعد انتهاء المؤتمرات الرئاسية استقرت الأمور وتجاوز تقدم كلينتون مجرد كونه "ميزة كبيرة" وأصبح فارقاً كاسحاً. باختصار "ترامب يحتاج لمعجزة!"
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة Washington Post الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.