ديمقراطيون وجمهوريون في وطني.. هل أصابتنا “متلازمة ستوكهولم”؟

يحدثنا علماء النفس عن حالة مَرضية غريبة يطلقون عليها مصطلح "متلازمة ستوكهولم"، ومن أعراضها أنها تصيب الأفراد المضطهدين وضحايا العنف والاستغلال الذين يُبدون تعاطفاً مع المعتدي وولاءً له ودفاعاً عنه.

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/13 الساعة 04:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/13 الساعة 04:59 بتوقيت غرينتش

يحدثنا علماء النفس عن حالة مَرضية غريبة يطلقون عليها مصطلح "متلازمة ستوكهولم"، ومن أعراضها أنها تصيب الأفراد المضطهدين وضحايا العنف والاستغلال الذين يُبدون تعاطفاً مع المعتدي وولاءً له ودفاعاً عنه.

وتعود جذور التسمية إلى حادثة وقعت في سبعينات القرن الماضي في العاصمة السويدية حين دافع رهائنُ عمليةِ اختطاف عن المجرمين وتصدوا ببسالة لفرق الإنقاذ. ويبدو للمتمعن في تاريخ العرب أنهم قوم يحملون هذا الداء الخبيث في جيناتهم ويتوارثونه جيلاً بعد جيل. فبعد الرعيل المتطوع في الجيش الفرنسي أو البريطاني زمن الحرب العالمية الثانية، وبعد الجيل التالي المدافع عن الدولة القمعية وآلياتها، ندخل زمن الارتباط الوجداني بالأحزاب السياسية الأميركية التي لا تعرف عن أرضنا غير أنها تكتنز النفط والغاز في جوفها وأنها بمنطق التاريخ ستنتفض يوماً في وجه الكيان الصهيوني الرابض على أجزاء منها.

وضعت الانتخابات الأميركية أوزارها أخيراً. وبقطْع النظر عن نتيجتها التي فاجأت جل المتابعين وشركات سبر الآراء، فإن ما علق في الذاكرة من هذا السباق المحموم نحو البيت الأبيض هو الحماسة العربية، الشعبية والرسمية، لهذا المرشح أو ذاك، والمشاركة الكثيفة في التصويت الافتراضي على شبكات الإنترنت، وتعليق الكثير من الآمال والأحلام على القادم الجديد للبيت الأبيض!

نتفهم أن يهتم العالم بهذا الحدث ويراقبه ويتابع برامج المرشحين ومناظراتهم، كما نتفهم اهتمام شارعنا العربي ونخبه باللعبة الديمقراطية التي لا نكاد نعرف عنها سوى أنها لا تتيح للزعيم الحكم مدى الحياة ولا تختصر العملية السياسية في الأسرة الحاكمة، أما أن تصل درجة الارتباط بهذا الحدث حد القفز فرحاً أو السكون حزناً، فهذا ما يميط الرداء عن حقيقة الجهل بأعمدة السياسة الأميركية وبطارف تاريخ العم سام وتليده!

إن مجرد الاطلاع على سياسات سكان البيت الأبيض في الوطن العربي منذ ما بعد "وودرو ويلسن" إلى اليوم، يجعلنا نوقن بأن لكل حاكم مهمته القذرة التي عليه تنفيذها على أرضنا المنكوبة، وأن من طقوس دخول البيت الأبيض إعلان الولاء للكيان الصهيوني على الملأ والتهديد بنقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة؛ كأن موقعها الحالي ليس على أرض عربية محتلة، أصحابُها في الشتات! وكأن يافا واللد وحيفا والناصرة لا تسكن الوجدان العربي كما تسكنه القدس!

أتقنت الإدارات الأميركية المتعاقبة جميعها لعبة صناعة الفوضى في الوطن العربي وخلق أعداء جدد؛ لتبرير تدخلاتها العسكرية وحروبها التي لا تنتهي وللمحافظة على سباق التسلح بين الإخوة الأعداء. ويبدو أن حالة الحرب الدائمة في الوطن العربي قد باتت عقيدة أميركية راسخة وحاجة اقتصادية ملحّة، تمكّن الدولة الأولى في العالم من الهيمنة على أرض النفط والغاز.

ونذكر هنا ما صرح به كيسنجر بأن من مصلحة أميركا أن تمسك بخيوط اللعبة في المشرق العربي أو ما يسميه هو "الشرق الأوسط"، لكن ليس من مصلحتها أن تحل الأزمات، فالاستثمار الحقيقي الذي يتقنه الأميركان هو الحرب التي تتيح لهم تنمية صادرات السلاح وبسط نفوذهم على مناطق الثروات والصراعات السياسية، وهو ما يدفع بكل ساكن جديد للبيت الأبيض إلى أن يفتعل حرباً ضروساً تهدد أمن وسلامة الدول الأكثر ثراء في الوطن العربي وتجبرها على الدخول في دوامة سباق التسلح الذي لا ينتهي.

للتاريخ، لم يكن حظ الديمقراطيين أبخس من حظ نظرائهم الجمهوريين في دمائنا ودماء غيرنا من الشعوب المعذبة في الأرض، ولم تكن برامجهم وشعاراتهم زمنَ ما قبل الرئاسة ذات تأثير يذكر على سياساتهم في المنطقة بعد الوصول إلى سدة الحكم.

ونذكر كيف استهل أوباما عهده بزيارة مصر، ومخاطبة المسلمين وتحيتهم بتحية الإسلام "السلام عليكم"، ووعْده بإغلاق غوانتنامو، ومحاولة إصلاح خطايا سلفه في حق الإنسانية، لينهيه بعد ذلك بتدمير ليبيا وإغراق سوريا في بحور من الدماء وبالدخول مجدداً إلى المستنقع العراقي عبر بوابة محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية"، كان نظامه لا يقل دموية عن نظامِ سيئ الصيت بوش الذي دمر العراق وأحاله إلى دولة فاشلة ترتع فيها ميليشيات الشرق والغرب وتحكمها العصابات واللصوص، ولم يكن نظام بوش الصغير أكثر سوءاً من بيل كلينتون الذي أزهق أرواح آلاف الأطفال في الجماهيرية والعراق بحصاره الظالم والخانق، كما لم يكن كلينتون أيضاً أكثر دموية من سلفه بوش الأب الذي دشن عهد المغول الجدد. ومن حاكم إلى آخر، تتجدد مآسي هذه الأرض وتتجدد أتراحها وآلامها على يد لصوص الوكر الأبيض.

لا ندري إن كان الجهل بالتاريخ هو ما يدفع بالعرب إلى التعصب لمرشح أميركي وتعليق كثير من الآمال عليه، أم هي أعراض ذلك المرض النفسي المرهق المسمى "متلازمة ستوكهولم"، أم هو التعلق بوهم أن الخلاص من دوامة الحروب والفتن سيأتينا من خارج الحدود، من بلد قنبلة ناغازاكي وهيروشيما وفسفور الفلوجة ونابالم الموصل وترسانة الكيان الصهيوني؟! ولا نعلم هل سيستفيق هؤلاء من أوهامهم المَرضية على وقع سقوط عاصمة أخرى أم سينتظرون سنوات أربع ليراهنوا مجدداً على مرشح أميركي جديد فينامون مرة أخرى على زبد الوعود يداف في عسل الكلام.

تبقى الولايات المتحدة، على تعاقب حكامها، إمبراطورية خاضعة لسطوة اللوبيات الصهيونية، منخرطة حتى النخاع في الصراع الوجودي بين الكيان الصهيوني وثوار الحرية والعدالة في الوطن العربي. وسيتجرع مرارةَ الخيبة والخسران كلُّ من راهن على تغيير في هذه السياسة في الزمن المنظور وسيدرك، بكثير من التأخير، أن بلاد العم سام والكيان الصهيوني هي الدول الأكثر إرهاباً في التاريخ، نضيف إليها حلفاءها في غزواتها من أنظمة الغرب والعرب، وأن لا فرق بين كلينتون أو ترامب أو بوش أو من سواهم؛ فالسياسات المستقبلية مسطّرة سلفاً وما على الوافد الجديد إلا تطبيق المخطط بحذافيره ضماناً لأمن الكيان الصهيوني ولثبات الاقتصاد الأميركي المبني على النهب والابتزاز.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد