في واحد من أحدث التصريحات المنسوبة لمسؤول في الإدارة الذاتية التي أعلنها الحزب الديمقراطي الكردي وحلفاؤه يقول "آلدار خليل" مبررا ومعرفا الفدرالية المعلنة: "إننا امام مسؤولية تاريخية، ونحن مجبرين أن نوجد حلا منطقيا ومعقولا لما يحدث في سوريا بحيث لا نفوت الفرص حتى لا نندم غدا على ضياعها، وبالعكس إننا تأخرنا في مشروعنا الفيدرالي ولكن هذا المشروع كان يحتاج الى تحضير وتحرير المناطق، وإن مشروعنا الحالي هو فيدرالية مجتمعية وليست فيدرالية مؤسسات والطرح الذي نقدمه يختلف عما يتعارف عليه".
كلام خطير يحمل بين طياته الكثير من معاني الانتهازية والتزييف ويفسر النوايا المبيتة لهذا الحزب، وذلك من خلال تأكيده على مبدأ عدم تفويت فرصة إعلان الفيدرالية وتحرير المناطق، أما تزييف الحقائق فيتمثل في عملية التلاعب بالمسميات والألفاظ وإطلاقه لقب "فيدرالية مجتمعية" على المشروع الانفصالي المعلن.
الأخطر من هذا وذاك هو الكلام الذي طرحه "فيصل سلوم" رئيس تلك الفيدرالية في مؤتمره الصحفي عندما أعلن أنها فيدرالية توسعية غير ثابتة في حدودها الجغرافية إذ قال: "يحق لنا ضم المناطق التي نحررها من داعش لجعلها جزء من فيدراليتنا"!؟
الفيدرالية بحد ذاتها ليست بعبعا أو شيطانا تجب محاربته، وليست فكرة مرفوضة لطبيعتها، لكن رفض السوريين لها ناجم عن أمرين، الأول: هو بسبب الطريقة التي اتبعها حزب الإتحاد الديمقراطي بفرضه سياسة الأمر الواقع ومن جانب واحد مستفيدا من الواقع الذي أفرزه الصراع المسلح على الساحة السورية وتدخل الأطراف الدولية والإقليمية لصالحه. أما الأمر الثاني: فيتمثل في عدم مشروعية الحزب نفسه والذي لا يمثل الأكراد حيث يعتبر هذا الحزب فرعا لحزب العمال الكردستاني التركي الإرهابي.
مثلما أن حزب الإتحاد الديمقراطي لا يملك حق تمثيل أكراد سورية، فإن العرب ليسوا هيثم المناع المنسحب ولا حميدي الجربا وصناديده، ووجود هؤلاء ضمن فيدرالية صالح مسلم لا يكسب هذه الفيدرالية شرعيتها المطلوبة، وما رفض السوريين القاطع لهذا الإعلان الا خير دليل على ذلك، وفيدرالية مفروضة من جانب واحد ستبقى حبرا يدفع ثمنه السوريون دما.
لقد كان واضحا ومنذ انطلاق ثورة الشعب السوري أن جزءاً من أكراد سورية قد خرج من سبات المواطنة السورية، فالأعلام والرايات الكردية وليس علم سورية الحرة هي ما باتت ترفع لدى معظم التيارات، وبدا أن هناك خطوات عملية تبلورت من خلال تشكيل مجلس وطني كردي، إضافة إلى ارسال متطوعين أكراد إلى كردستان العراق لتلقي تدريبات عسكرية وذلك استنساخا لتجربة بيشمركة العراق ورديفا لهم. ماحدث لاحقا هو أن حزب العمال الكردستاني كان أكثر سرعة وديناميكية من جناح البرزاني في سورية فوضع يده على ورقة الأكراد وصادر قرارهم وبات هو اللاعب رقم واحد، ليأخذهم بعيدا والى مواجهة مفتوحة مع محيطهم العربي.
يطيب لبعض الأكراد أن يطلقوا لقب "انتصارات الشعب الكردي" على ما ارتكبته وحدات الحماية من اعتداءات وجرائم بحق اخوتهم من العرب، لكنهم يتناسون تماما أن ما حدث ليس له سوى توصيف واحد هو "عدوان واحتلال ترافق مع تطهير عرقي" ترك أثراً غائراً في جسد العلاقة الكردية – العربية، ليس هذا وحسب بل إن هذه الأنتصارات المزعومة ما كانت لتتحقق لولا الغطاء الجوي والدعم الهائل الذي تلقته قوات صالح مسلم من كافة الأطراف الدولية التي تدعم الأسد أيضا في حربه الظالمة على الشعب السوري.
لقد مثل مقتل القائد الميداني الكردي التركي "جيا" في حي الشيخ مقصود في مدينة حلب، فضيحة كبرى كونه أثبت أن وحدات الحماية الكردية تستعين بمقاتلين وقادة أكراد من خارج سورية وهو ما كشف زيف ادعاءات حدات الحماية الكردية بأن مقاتليها هم من أكراد سورية، بل هم خليط من أكراد سورية وتركيا والعراق وحتى إيران.
تجاوزات وحدات الحماية وصلت حد القيام باختطاف القُصًرِ من الفتية والفتيات الذين تقل أعمارهم عن 14 سنة وتقودهم إلى الجبهات، وهناك العديد من الحالات الموثقة أخرها خطف الفتاتين أمل مصطفى عفدو وسميرة عفدو شيخ بوزان "12 عاما" من قرية بير خاتي، قبل أيام والشعب الكردي يعرف هذه الحقائق جيدا واحتج عليها في أكثر من مناسبة.
من المهم للشعب الكردي المغلوب على أمره والذي يتاجرون بآلامه ألا ينخدع بشعارات هذه الأحزاب وأن يعلم أن انتصارات قوات صالح مسلم المزعومة على فصائل المعارضة السورية المشرذمة والمتناحرة في شمال سورية، قد تحققت من خلال الدعم الدولي، وليس العكس كما يحاول البعض أن يعكس صورة المشهد بالقول "إن انتصارات الشعب الكردي على الإرهاب هي التي دفعت المجتمع الدولي لدعم هذه القوات والاعتماد عليها.
من كردستان العراق إلى عين العرب "كوباني" مرورا بالحسكة وريفها، لقد شاهد الجميع وتابعوا كيف تدخل طيران التحالف الدولي، فقام بشن مئات الغارات الجوية لمنع تنظيم الدولة الإسلامية من التقدم، ثم ومع بداية التدخل الروسي في نهاية الشهر التاسع من العام 2015 بدأ الطيران الروسي يصب حِمَمَهُ على فصائل المعارضة المسلحة وخاصة في أرياف حلب والحسكة، فشن آلاف الغارات الجوية أحرق خلالها الأخضر واليابس ممهدا الطريق أمام وحدات الحماية كي تحكم قبضتها على مدن وقرى الشمال السوري.
كم هو مؤسف أن نشاهد أبناء المنطقة بل والأمة الواحدة وقد تحولوا إلى أدوات رخيصة توفر الدم على الآخرين، ليدفعوا من دمائهم هم ثمن مشاريع خارجية لم ولن تحمل الخير لأمتنا ومنطقتنا يوما، فأي فيديرالية وحتى دولة هذه التي ستقوم على أشلاء الآخرين ودمائهم؟، وكيف لمدعي حق أن يسلب الحقوق، وأنى لمظلوم أن يقتص لنفسه بظلم الأبرياء.
لقد كان هناك فرصة كبيرة أمام الأكراد كي يقفوا مع محيطهم العربي الثائر على الديكتاتورية والظلم، وأن يثبتوا أنهم لا يقلون وطنية عن أي مكون سوري آخر، وانهم معنيون بوحدة التراب السوري، فما يجمع الأكراد بالعرب أكبر بكثير مما يفرقهم، ولو فعلوها حقا لعجلوا بسقوط الطاغية ورفع الظلم عن الجميع، ولعادت الحقوق إلى أهلها بما فيهم الأكراد أنفسهم. هذه هي الفرصة الحقيقية التي ما كان يجب أن تضيع، وليس فرصة اعلان الفيدرالية من جانب واحد بعد احتلال الأرض وطرد سكانها منها.
إن الظلم باسم المظلومية لن يحقق العدالة للمظلوم، ولن يعفي الظالم من المسؤولية، واتهام الآخرين بالشوفينية لن يسقط تهمتها عن الشوفيني، واعلموا أن للعرب في الجزيرة والشمال السوري حقا قد هضم وانه لا يضيع بإعلان صالح مسلم لفيدراليته ولا حتى لما يسمى بإقليم "روج آفا"، فلا تكونوا أدوات بيد الآخرين ولا تضيعوا فرصة تصحيح الخطأ كما ضيعتم فرصة أن تكونوا الى صف شعبكم السوري المظلوم ضد الحاكم الظالم، لأنكم بهذا تظلمون أنفسكم وستضيعون الفرصة مرتان.