في غضون الأيّام القليلة الّتي ولّت، وتحديداً بمناسبة اليوم الوطني للمرأة، أطلّ الرّئيس التّونسي الباجي قائد السّبسي على أبناء شعبه، بل بالأحرى على نساء شعبه، مهلّلا ومبشّراً إيّاهم بقولته الّتي أضحت عاجلاً محلّ نقاش التوّنسيّين والعالم العربيّ أجمع.
حيث صرّح قائلاً بأنّ سيادتهم "ماضون نحو المساواة في جميع الميادين بما فيها الإرث"، كما أفصح أيضاً عن تأمّله لقضيّة زواج المرأة التّونسيّة من غير المسلم، وردّد بأنّ إضفاء كلّ هذه التّغييرات لم تكن إلّا تسويات لمناصفة المرأة للرّجل قانونيّاً ومجتمعيّاً.
ونظراً لكوني مواطنة تونسيّة فها قد جئت عبر تدوينتي هذه لأُطلعكم عمّا تجلّى من قِبَل السّلطة المرموقة وناقلة لكم آراء أبناء شعبي الّتي تنازعت وتباينت ما بين متعاضد ومستنكر، ولأعرب لكم عما توارى واختفى خلف هذا الخطاب.
1- تنافي الأبعاد الموصولة بهذه القرارات في الشّارع التونسي:
بالرّغم من وجود معارضين معترضين فإنّهم قلّة، ويرجع ذلك إلى المنظور الدّيني الّذي يكاد يكون منعدماً، وذلك لهيمنة الفكرة العلمانيّة وغرزها بصفة غير مباشرة، فعند افتتاحك للدّستور التّونسي سيشدّ ناظريك تلك الكلمات الّتي اقتحمت أولى الصّفحات: تونس دولة حرّة مستقلّة الإسلام دينها.
وبصفة عامّة فإنّ المواطن التّونسي مصاب بمتلازمة التّحرّر، حتّى بات هذا التّحرّر بمضي الزّمن انفلاتاً، وقد جاءت هذه الفلتات على حساب الدّين الإسلاميّ، وهذا ما شرّع به الدّستور.
ألا ليت قومي يفقهون أنّ أعظم وأمجد دستور في الكون هو ذاك الدّستور الّذي أقيم من أعلى السّماوات ليستقرّ ويعمّ الأرض.
وأنّ أجلّ وأشرف الحرّيات الّتي رفدت إلينا هي تلك الّتي حملتها وأثمرتها شريعة الإله.
يكفينا أنّ العقل هو ريعان الحرّية وبكرها، فكيف لنا أن نستحدث تحرّراً لا يمتّ للإسلام من كنف، تحرّراً لم يخلق فيه نظراً واجتهاداً وتكليفاً، ثمّ بعدها نستحضر أسلمة تونس.
2- المعنى المستتر والتّمويه:
تونس أمّ ثورات الرّبيع العربي تشهد حالياً أوضاعاً حرجة كالمشاحنات السّياسيّة والاصطدامات الفكريّة، والتّنازع حول الثّروات البيئيّة والتّاريخيّة، لكنّ جلّ الأفراد لا يعاينون أمراً أمام التّحرّر المزعوم الّذي أضحى يمثّل هاجساً.
فجاء تساوي الأنثى مع الذّكر في الميراث وإباحة زواجها من غير المسلم، وتمّ جواز ذلك بحجّة الاجتهاد في الدّين وتقلّب الزّمن، فأتى هذا القول كتقدمة وبمثابة المنحة الإضافيّة لإخماد أفواه الشّعب المشتعلة وتنويم أبصارهم الثّاقبة.
وقد قدم الرّدّ سلباً من خارج تونس وتمّ التّنديد لما في ذلك من خطورة على الشّريعة والفقه، والتّحذير من الولوج في المحظور وما حرّمه الله، فالحلال بيّن والحرام بيّن، والفتوى في هذا المحمول قد سبقت سابق الأزمان من خلال ما نصّت به الشّريعة والكتب السّماويّة، فلا مجال للإفتاء.
فهل سيساق بنا إلى ذاك اليوم المقدور الّذي سيتحوّل فيه هذا التّحرّر الباطل إلى حريّة مقترنة بالعقل والدّين؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.