القناعة كنز تقف عليه

أوقفني ذلك التعبير وأعادني 7 سنوات للوراء عندما قاله لي أحد المدربين في نادٍ لكرة القدم كنت أرتاده، فترة كنت أركض بها دونما تعب وأستمتع بالمراوغات والأهداف، أيام من الجهد البدني وحدها من صنع قدمي القويتين الآن، مستقبل رياضي لم يكن ليتوقف إلا بفعل مرض "الأرتيكاريا" اللعين الذي عاش داخل دمي وجعل 3 دقائق في ملعب ما كفيلة بتغليفي بطفح جلدي قوي، كم أنا حاقد على هذا المرض!

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/17 الساعة 03:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/17 الساعة 03:35 بتوقيت غرينتش

في صباح يوم الجمعة الموافق 28 أبريل/نيسان 2017، وبعد استيقاظ متأخر وتناولٍ لوجبة فطور خفيفة، خرجت مسرعاً إلى (الهاف بوست) الموقع الإعلامي الذي أتلقى تدريبي التحريري فيه، كان الوقت قد سرقني ولم أنتبه إلى أنني قد تأخرت نصف ساعة عن موعد وصولي المحدد، وهذا ما دعاني للاستعجال إلى محطة "المترو" التي تقلني إلى هناك، مشياً تتخلله هرولة في محاولة مني لاستدراك الوقت، وما أسرعه في مدينة كإسطنبول.

وصلت للمحطة وقطعت "كارت" وركبت ذلك المترو المخطط بالأبيض والأحمر الذي كلما رأيته تذكرت علم بلدي سوريا بعد إضافة السواد الذي يعيدني إلى تلك الألوان.

صعدت المترو وحجزت مكاناً لي، لم يكن لكرسيي شباك يجاوره، ولكني مع ذلك كنت سعيداً؛ لأنني على الأقل حظيت بكرسي فارغ في واحدة من أكثر المدن ازدحاماً في العالم.

وضعت يدي في جيبي لأخرج "السماعات" التي لطالما كانت تصحح وجهتي الروحية بفعل الموسيقى التي تخرجها، إلا أنني لم أجدها، كان خروجي المستعجل وراء نسياني شيئاً مهماً يؤنس وحدتي هنا، رحلة لمدة ساعة دون واجهة زجاجية ودون موسيقى أشبه بعقوبة، وخصوصاً أن شعب هذه البلاد لا يجيد الابتسام ولا الاختلاط وتزداد عصبيته في الأماكن المزدحمة.

أغمضت عيني بحثاً عن غفوةٍ صغيرة تمضي الوقت لكنَّ حديثاً ما من المقعد المجاور سرق انتباهي وأيقظه، لم تقتنع عيناي بضرورة أن تعدل عن قرارها إلا أن أذني باتت لا تسمع سوى ذلك الحديث.

كان حديثاً بين اثنين، بدأه الأول بقوله حدثني عن قدمك القوية هذه، فيجيبه الآخر أحمد الله على قدم متماسكة كهذه، أُمرّنها كل يوم حتى إنها بدأت تكتسي بالعضلات مؤخراً، وأضاف: رغم أنني لست رياضياً فإن أصدقائي أعطوني فرصة تسديد ركلة جزاء في ملعب الحي، لقد كانت ركلة مذهلة على حد تعبيرهم، لكن لا أخفيك أسراً أنني أشعر بالتعب رغم كل ذلك، فكل صباح وعند خروجي للمحطة أشكو منها فهي غير معتادة على المشي لمسافات طويلة نسبياً (يتنهد تنهيدة خجولة قبل أن يقاطعه صديقه ويخبره أنه يملك قدماً يمنى مذهلة تستطيع عمل أي شيء).

أوقفني ذلك التعبير وأعادني 7 سنوات للوراء عندما قاله لي أحد المدربين في نادٍ لكرة القدم كنت أرتاده، فترة كنت أركض بها دونما تعب وأستمتع بالمراوغات والأهداف، أيام من الجهد البدني وحدها من صنع قدمي القويتين الآن، مستقبل رياضي لم يكن ليتوقف إلا بفعل مرض "الأرتيكاريا" اللعين الذي عاش داخل دمي وجعل 3 دقائق في ملعب ما كفيلة بتغليفي بطفح جلدي قوي، كم أنا حاقد على هذا المرض!

دقائق من السخط على القدر، أوقفها صوت الميكروفون منبهاً لاسم المحطة التي وصلناها والتي كانت جهة ذهابي، فتحت عيني وتوجهت لباب الخروج، إلا أن فضولي جعلني ألتفت لألقي نظرة على الشخص الذي كان يتحدث عن ساقه، أردت أن أرى إن كانت قوية كما كان يتحدث وصديقه عنها، التفت فلم أرَ سوى شابين أحدهما بقدم واحدة.

غادرت المحطة وغلب على وجهي ملامح الخجل، كنت خجلاً من نفسي على ظني ذاك بأنني أقوى منه، وأن ساقيّ لا تشتكيان من الجهد.

مضيت إلى موقع تدريبي، وأن أصنع المقارنات بين مرضي، وبقية الأمراض وبين حادثة مرت معي وحوادث أراها فازداد خجلي، خجل قادني إلى يوم حزين، دخلت المكتب ناسياً إخراج قناع السعادة من حقيبتي، سألتني زميلة: لماذا أنت حزين؟

فلم أكن أملك سوى إجابة واحدة غير مفهومة، يحق له الافتخار بساقه والسلام كل السلام على الصابرين.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد