لماذا تستفزنا فكرة أن نكون عاديين، نرتاد المطاعم العادية، ونلبس الماركات العادية ونشتري الأثاث العادي؟!
يستميت معظمنا بكل ما أُوتي من مادة كي يتميز على الناس العاديين، بمحاولة الوصول إلى كل ما يصعب على البسطاء الوصول إليه.
ما الذي يوجد في الأسفل باعتقادهم؟!
أليست السكينة محفوفة بالبساطة وعرق الكفاح في هذه الحياة الصعبة؟!
قد يكون غريزة إنسانية ذلك الشعور بالأنا التي يجب ألا يشبهها أحد، لكن الوصول إلى فوق جداً له ضريبة كبيرة من سكينة الروح والجسد كما نرى حولنا.
وربما بعد الوصول إلى الأماكن غير المزدحمة يشعر الإنسان أن الازدحام والضوضاء كان يصحبهما الكثير من السعادة الفطرية وبهجة الطبيعة.. ابتسامات البسطاء لا يمكن أن يشبهها شيء آخر أبداً، وروح التلقائية هي روح الإنسان الأول على ما يبدو.
لا أدري هل علينا أحياناً أن نتشاجر مع بعض غرائزنا كي نحصل على مقابل من النوع الذي لا يُرى لكننا نشعر به جيداً؟
أحياناً نسعى جاهدين لتجاوُز مستوى ما، وبعد أن نفعل نلتفت إلى الخلف ونقول: ما أنقى ذلك الازدحام!
هذه ليست دعوة للتقشف أو التصوف، بل تنبيه لأن لا نجعل من مستوى الماركة معياراً لقيمة الناس من حولنا.
معلومٌ أن طبيعة العالم الرأسمالي تدفع بهذا الاتجاه وبجموح مخيف، خاصة في المدن الكبيرة، لكن تبقى مهمة الإنسان داخلنا أن يكبح جماح هذا السعار الرأسمالي المقرف مهما كلف الأمر.
العقلاء منا يبحثون عن التميز في ميدان أسمى من ميدان الأشياء.. العلم والثقافة والكتابة مثلاً، وهو ميدان نبيل وراقٍ مقارنة بالأول، ويتم بين نخبة الشعوب ومثقفيها في العادة.
لكن هؤلاء قد يكتشفون بعد سنوات طويلة، أو عند معايشتهم موقفاً ما أن الإنسان قد يكون بحرية ضميره أرقى وأنبل من كل المثقفين.
ذلك الشاب الذي يقف أمام دبابة المستبد معرضاً حياته للموت، أو تلك الخوذة البيضاء التي تتسلل بين قذائف الموت لتنقذ طفلاً خائفاً، هؤلاء غالباً ما يكونون حتى في عيون المثقفين والعلماء هم أنبل مَن يعيش على هذا الكوكب.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.