أتصور أن التوصيف الدقيق للحالة التي تعيشها المعارضة المصرية والنظام الحاكم، أن كلاهما يعيش في أزمة حقيقية، فبعد ما يزيد على عامين ونصف العام على انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013، لم ينجح حُكم الجنرال السيسي في تحقيق الاستقرار، في ظل حالة من القمع ومصادرة الحريات وفتح السجون للمعارضين، بشكل أدَّى إلى حرمان الشعب والقوى السياسية من أبسط حقوقها، فيما تشهد البلاد نزاعات داخل المؤسسة الحاكمة وتراجعًا حادًّا في الوضع الاقتصادي، بل وصل الأمر إلى تقسيم المجتمع وتمزيقه.
بالإضافة لمحاولته تمزيق وتفتيت القوى الثورية والمعارضة بشتى الوسائل. فواقع حكم السيسي، أنه يواجه حالة إخفاق وفشل على كل المستويات من دون أن تتدخل المعارضة.
ومن معالم التفتيت التي يمارسها النظام أيضًا، تعبئة المؤسسات في الدولة، بما فيها الجيش والشرطة ضد المعارضين لسياساته، خصوصاً الإخوان المسلمين، وكذلك محاولة تصنيفهم كقوة إرهابية، واستعداء المكوِّنات الوطنية ضدهم، فضلًا عن استغلال حالة الحرب على الإرهاب لشنِّ حرب شعواء على الإخوان والزج بهم في السجون.
وعمد النظام كذلك إلى ممارسة أساليب الغش والخداع على عموم الشعب المصري، وذلك بهدف منع المعارضة من التخطيط لبديل ثوري يحلّ محل النظام. ومن جانب آخر يتحالف السيسي مع الأقباط ضد القوى الثورية الأخرى، مما أثار النعرة الطائفية في البلاد، والتفرقة بين أبناء الشعب على أسس دينية طائفية.
وهذا أدى إلى اتساع رقعة المعارضة في الفترة الأخيرة، لممارسات النظام المتخبطة، حتى من داخل صفوف ومكوِّنات حركة 30 يونيو/حزيران التي أطاحت بالرئيس محمد مرسي وحكومته.
ولكن هل نجحت المعارضة أمام تغوُّل النظام وممارساته، وهل اجتمعت فيما بينها، وأعدَّت برنامجاً بقواسم وطنية مشتركة؟ أرى أن القوى الثورية والمعارضة فشلت بمختلف أطيافها في الاتفاق على مشروع موحَّد لمواجهة النظام وإعادة الاعتبار لثورة 25 يناير/كانون الثاني، فالنظام يحاول استقطاب بعض القوى، ومناداة البعض الآخر بعمليات إصلاحية تجميليَّة في مؤسسات النظام دون الحاجة لإفشاله وإسقاطه.
فالقوى الثورية لم تنجح حتى الآن في الاتفاق على رؤية جامعة للمستقبل، وتشكيل برنامج وطني يجتمع عليه الفُرقاء، للتعامل مع الوضع الحالي، وتحديد تصور لمستقبل الدولة المصرية وهويتها، لعودة المسار الديمقراطي الذي اختطفه العسكر بعد خمسة استحقاقات خاضها الشعب المصري.
ولا يمكن إبعاد مسؤولية جماعة الإخوان المسلمين في عجز القوى الثورية عن التوصل لاتفاق جامع فيما بينها للمرحلة المقبلة. فالجماعة شهدت في الآونة الأخيرة انشقاقات وتبادلاً للاتهامات فيما بين رموزها وقادتها، جعلها تنكفئ على نفسها أمام حالة الاستهداف من طرف النظام وممارساته القمعية بحق كوادرها.. فبدلاً من قيادتها للمعارضة والمجموع الثوري بحكم قوتها وشعبيتها، لم تبادر إلى جمع هذه المعارضة على برنامج وطني، بل أسهمت مع قوى إسلامية أخرى في الانقسام الحاصل بين هذه القوى، من خلال رفع شعار أسلمة الثورة، ومحاولة الاستحواذ عليها عندما كانت في الحكم.
وبالعودة إلى إخفاق القوى الثورية والمعارضة حتى الآن في تشكيل كيان جامع يوحِّد القوى والتيارات المدافعة عن أهداف ومطالب ثورة يناير، والساعية لاستعادة المسار الديمقراطي في البلاد، يُلحّ سؤال حول قدرة المعارضة على توحيد صفوفها وطرح البديل الديمقراطي الذي يُقنع جموع المصريين، وينال ثقتهم ويقنعهم بضرورة إنهاء الحكم الاستبدادي الراهن.
وعلى ذلك لا بد للمعارضة إذا أرادت أن يكون لها تأثير، فلا بد من توحيد صفوفها وتناسي خلافاتها بالاتفاق على برنامج جامع لاستعادة المسار الديمقراطي للبلاد، على أن يكون من معالمه:
أولاً: الخروج من حالة التقوقع داخل كيانات ومؤسسات المعارضة، وتجاوز خلافات الماضي، والاتفاق على المشترك.
ثانيًا: استيعاب كافة القوى والتيارات المعارضة، وتجاوز حالة الإقصاء التي يمارسها البعض تحت مبررات متعددة.
ثالثًا: إزالة الهوَّة بين الجماهير والكيانات السياسية المعارضة لإقناعها بالبديل المناسب في هذه المرحلة.
رابعًا: ضرورة تحديد قوى الثورة والمعارضة لأهدافها وغاياتها في المرحلة المقبلة، من خلال أجندة واضحة يُتفق عليها.
خامسًا: الاعتماد الكامل على الثورة الشعبية السلميَّة، وعدم الاعتماد على العنف المضاد.
ولتحقيق ذلك لا بد من الحوار الجاد بين كافة القوى، لإنجاز إطار جامع يشمل جميع هذه الكيانات، بحيث ينجز برنامجاً وطنيًّا في المرحلة المقبلة، يشمل كذلك إدارة الوضع في حال نجاح الثورة، وإنهاء خلافات جماعة الإخوان المسلمين، التي تُشكِّل عصب المعارضة، كخطوة للاتفاق على البرنامج الوطني، على أن يشمل هذا البرنامج جميع فئات المجتمع بمن فيهم الأقباط، وحرمان النظام من الانفراد بهم ووضعهم في صفِّه في مواجهة الثورة، مع وضع رؤية مرنة للتعامل مع المحيط الإقليمي والدولي، وذلك في إطار مصالحة مجتمعية وتصور للعدالة الاجتماعية تضع الجميع في بوتقة ثورية واحدة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.