شهدت العلاقات السياسية بين المغرب وموريتانيا توتراً في السنوات الماضية، ولكنه وصل للذروة مع تصريح الأمين العام لحزب الاستقلال المغربي حميد شباط، الذي تحدث عن أن موريتانيا كانت جزءاً من المغرب، وأن استقلالها عنه كان خطأ وهي التصريحات التي رفضتها الخارجية المغربية بشدة.
جاء هذا الأمر في نفس الوقت الذي استقبل فيه الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز الأربعاء 28 ديسمبر/ كانون الأول 2016 رئيس وزراء المغرب عبد الإله بنكيران الذي وصل لتبديد "سوء فهم" بعد تصريحات مسؤول حزبي مغربي اعتبر فيها موريتانيا "جزءا" من أراضي المملكة.
ونشأ سوء الفهم عن قول حميد شباط أمين عام حزب الاستقلال المحافظ الاثنين في اجتماع حزبي عن تاريخ استقلال المغرب والمناطق التي فقدها بسبب الاستعمار، إن "موريتانيا أصبحت دولة وهي أراض مغربية محضة"، مشيرا ايضا الى ان مناطق تندوف وكلوم بشار والقنادسة الجزائرية كانت سابقا تحت سيطرة المغرب.
ولكن هذه الأزمة سبقها توتر في العلاقات خلال السنوات الخمس الماضية لأسباب مختلفة، ورغم ميل الجانبين إلى التحفظ في إظهار ذلك، فإن وسائل الإعلام في البلدين تنشر كل فترة ما يظهر وجود تأزم بينهما.
ومن مظاهر هذه الأزمة الصامتة المستمرة منذ سنوات، امتناع موريتانيا عن تعيين سفير لها في الرباط منذ سنة 2012، كما سبق أن أرجأ كل من الملك محمد السادس والرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز زيارات للبلد الآخر، بسبب "وجود ملفات عالقة".
ولم يكف الإعلام الموريتاني والمغربي على حد سواء عن الحديث عن توتر العلاقات بين البلدين، لأسباب تعود إلى ملف الصحراء الغربية، ومواقف حكام نواكشوط الجدد منها.
خلال مطلع العام الحالي 2016، تحدثت وسائل الإعلام بأن المغرب قد استدعى القائم بالأعمال في السفارة الموريتانية، على خلفية إقدام جنود موريتانيين على رفع علم دولتهم بمدينة "الكويرة" الحدودية المغربية، وهو الخبر الذي أكد الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية مصطفى الخلفي، أنه عار تماماً عن الصحة ولا يعدو أن يكون مجرد شائعة.
وجاءت التصريحات الأخيرة للأمين العام لحزب الاستقلال المغربي حميد شباط، وحديثه عن أن موريتانيا أراض تابعة للمملكة المغربية، والتي أحدثت ضجة داخل الساحة الموريتانية، لتصب الزِّيت على التوتر المكتوم بين البلدين.
ولكن المغرب قابل هذه التصريحات بتهدئة دبلوماسية، وبعدم تبني الملك لحديث شباط، وتأكيده على الارتقاء بالعلاقات مع موريتانيا إلى درجة الريادية، مع الأنباء أن عبد الإله بنكيران المكلف بتشكيل الحكومة المغربية سيزور موريتانيا لنزع فتيل الأزمة.
واثر استقبال ولد عبد العزيز مبعوثي الملك في ازويرات، قال ابن كيران في تصريحات نقلتها وكالة الانباء الموريتانية "إن التصريحات الاخيرة للأمين العام لحزب الاستقلال غير مسؤولة ولا تتماشى مع ثوابت الدبلوماسية المغربية".
واضاف ان "هذه التصريحات لا تعبر إلا عن رأيه الشخصي ولا تعبر ابدا، لا عن رأي جلالة الملك ولا عن رأي الحكومة والشعب المغربيين".
واضاف "سوف يعيش ويشهد هذا التعاون في المستقبل تحسينا لهذه العلاقات بحيث يشعر المواطن الموريتاني في المملكة المغربية انه يتمتع بكافة حقوقه ويتيسر له كل ما يمكن أن يحتاجه اذا كان في بلده الثاني المغرب وكذلك بالنسبة للمغاربة اذا كانوا في بلدهم الثاني موريتانيا".
فهل تظل علاقات البلدين مثار جدل إعلامي وسياسي وتجاذبات، بينما يبدو دور حكومتي البلدين مقتصراً على محاولة تطويق هذا الجدل، أم أن هذا الجدل تعبير عن توتر مكتوم بين البلدين؟.
هل موريتانيا محايدة في قضية الصحراء؟
يشكل الموقف من قضية الصحراء وحركة البوليساريو أحد النقاط الأساسية المؤثرة على العلاقات بين البلدين رغم تأكيد نواكشوط على حيادها.
الباحث بالمركز الموريتاني للدراسات والبحوث الاستراتيجية محمد الحافظ ولد الغابد، يرى أن المغرب ليس لديها ما تقدمه، وهي تريد من موريتانيا أن تلتزم موقف السلبية الذي اختلط لدى الساسة المغاربة بالحياد، نتيجة الفترة الطويلة نسبياً لسلبية نواكشوط في المواقف الإقليمية خلال حقبة ولد الطائع، التي اتسمت بالصراع مع الزنوج ووجود مشاكل كبيرة في المحور الجنوبي لموريتانيا، حسب قوله.
ويقول ولد الغابد في تصريح خاص لـ"عربي بوست"، إن المغرب نسيت أن الحياد لا يعني أن تكون سلبياً، وإنما أن تلتزم بمستوى من التوازن الذكي في التعامل مع الطرفين حتى لا يغضب أحدهما.
غير أن الباحث الموريتاني يستدرك قائلاً "لكن إن كانت هناك مصالح دبلوماسية وإقليمية لموريتانيا، فحتما ستذهب مع المصالح الوطنية لبلادك، وهذا بالضبط هو ما اتجه إليه الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في إطار السياسة الإقليمية، حسب تعبيره.
التنسيق ازداد مع البوليساريو
واعتبر الباحث الموريتاني محمد الحافظ ولد الغابد، أن موريتانيا لم تتخذ مواقف منافية للحياد وإن كان تنسيقها مع البوليساريو قوي وازداد وتعمق بشكل أكبر.
ورأى في المقابل أن المغرب اتخذت خطوات في السياسة الإقليمية لا تخدم موريتانيا، حيث استقبلت الرباط معارضين للنظام الموريتاني، وانخرطت بنشاط كبير في محور تقليدي لتقويض الدبلوماسية الموريتانية، هو محور "باريس – الرباط – داكار" (السنغال منافس تقليدي لموريتانيا).
وأعرب عن اعتقاده بأن من أسباب توتر هذه العلاقات استضافة المغرب لبعض المعارضين، والضلوع في ملفات لا تخدم الصداقة والعلاقات الودية مع موريتانيا ونظام الرئيس "ولد عبد العزيز" شخصياً، مشيراً إلى أن المغرب تعترف بضلوعها في تلك الملفات، حسب قوله.
وتوقع الباحث أن يسهم بيان الخارجية المغربية الأخير بشأن تصريحات الأمين العام لحزب الاستقلال حميد شباط المسيئة لموريتانيا، وزيارة رئيس الحكومة المغربي عبد الإله بنكيران لموريتانيا في حل الإشكال ونزع هذا التوتر بشكل أكبر، خصوصاً إذا راجعت المغرب مفهومها للحياد، وفهمت أن موريتانيا لا يمكن أن تظل سلبية تجاه أحداث الإقليم.
وأردف قائلا: "على أشقاء موريتانيا الكبار تفهم بحثها عن دور، ومساعدتها على تحقيق حضورها، ومطالبتها بالتنسيق، وتجسير الفجوات والخلافات معها، كما أن على موريتانيا أن تتفهم حساسية المغرب فيما يخص الشريط الصحراوي والتعاطي بحذر مع جبهة "البوليساريو"، فيجب أن تدعم نواكشوط استقرار المنطقة والجهود الدولية لحل النزاع على الصحراء الغربية.
المغرب المستفيد من العلاقات
من جانبه، قال رئيس المركز العربي الإفريقي للإعلام والتنمية محمد سالم ولد الداه، إن المغرب وموريتانيا تربطهما علاقات استراتيجية متجذرة، تقوم على صيانة المصالح المشتركة لكل منهما.
واستدرك قائلا "وربما تكون المغرب هي المستفيد الأول من حضورها الاقتصادي في موريتانيا، وربما أيضاً تكون لها رغبة جامحة في تحييد نواكشوط عن الدخول في صراعها القائم مع جبهة البوليساريو، خصوصا أن الملف يشهد تطورات سلبية بدأت ببرودة يمكن ملاحظتها في العلاقات البينية بين موريتانيا والمغرب، وتأزمها مؤخراً من الناحية الإعلامية".
وأضاف ولد الداه في تصريح لـ"هافيتغتون بوست عربي": "باعتقادي أن المغرب مستوعبة لأهمية الحفاظ على علاقاتها بموريتانيا لأسباب عديدة، وتاريخها في الأزمات التي تحدث بين الجانبين يشير إلى أنه غالبا ما تتعامل معها بالحكمة".
غير أنه اعتبر أَن العلاقات دخلت في هذه المرحلة المنطقة الحمراء، حيث انعكست تصريحات الأمين العام لحزب الاستقلال بشكل خطير على علاقات البلدين، إذ تسببت في خدش سيادة موريتانيا، مما أحدث بلبلة، وربما يتطلب الأمر جهداً كبيراً لتعود المياه لمجاريها.
وأضاف ولد الداه أن موريتانيا لا تزال متمسكة بموقفها المحايد من القضية الصحراوية، رغم التجاذبات التي تحدث هنا وهناك، والوضع الدولي المعقد الذي يحيط بالمنطقة.
ورأى ولد الداه، أن أسباب التوتر في العلاقات بين البلدين متعددة، منها ما هو سياسي من خلال الحديث عن سياسيين معارضين مقيمين في المغرب، بالإضافة إلى مواقف ترى موريتانيا فيها أن الرباط تقف دائماً ضد طموحها في الوصول لتحقيق أهدافها.
وختم الباحث بالقول، إن المغرب سجل مواقف مهمة في إطار معالجة تداعيات الأزمة بينه وموريتانيا من خلال اعتذار الخارجية المغربية، ومهاتفة جلالة الملك محمد السادس للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، التي تم دعمها بإرسال رئيس الوزراء المغربي عبد الإله بنكيران برسالة خاصة، مما يشير إلى أن الأزمة سيتم التعاطي معها بحنكة من الطرفين، وستعود الأمور إلى مجاريها الطبيعية.