صباح الخميس المقبل، الرابع من مايو/ أيار، سيتكرر المشهد: قاعة تحتفل بمناضلين من أجل حقوق الإنسان في العالم في حفل تقيمه مؤسسة رولاند بيرجر، الألمانية بحضور الرئيس الألماني، لتسليم جائزة "المدافع عن الكرامة الإنسانية". كالعادة سيكون بعض المدعوين موجودين، والبعض غائب، تحتل صورته مقعدا فارغا. هذه المرة سيكون الغياب من نصيب الحقوقي المصري جمال عيد.
في حفل 2011 كان جمال عيد بين الفائزين. حضر الحفل، والتقط صورة من هاتفه النقال للمقعد الخالي في في ذلك الحفل، وكان مخصّصا للناشط الحقوقي السوري مازن درويش، الذي لم يتمكن من الذهاب إلى برلين. كان مازن نزيلا في سجون بشار الأسد وقتها، وعوضا عنه وضعوا صورته، كونه أحد الفائزين الثلاثة بالجائزة الدولية إلى جانب جمال عيد والناشطة التونسية راضية نصراوي.
يومها، وأثناء الاحتفال فاجأت مقدمة الحفل جمال عيد، سألته من على المنصة: جمال ألا تشعر بالخوف من الملاحقة وحملات التشهير ضدك؟
فأجاب: نعم، لكني أعلم أن للديمقراطية ثمناً، دفعنا جزء منه خلال الثورة ومازلنا ندفع، صحيح من الصعب أن نعيش مهددين وفي خوف، لكن الأصعب هو التواطؤ.
يومها لم يكن جمال عيد يعرف أن صورته ستوضع بعد 6 سنوات على المقعد الخالي، ليس لأنه مسجون، وإنما لأنه ممنوع من السفر، ولن يستطيع حضور حفل المؤسسة في 4 مايو المقبل.
لأجل هذا منع جمال عيد من السفر
جمال عيد هو المدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وهي واحدة من المنظمات المتهمة في قضية التمويل الأجنبي، القضية الأكثر شهرة في مصر، والتي تعود إلى ديسمبر 2011 عندما اتهم القضاء 43 من العاملين في المنظمات غير الحكومية بإدارة منظمة والحصول على تمويل من حكومة أجنبية دون ترخيص بذلك.
في يونيو 2013 حكم على جميع المتهمين -من بينهم 17 مواطناً أميركياً وأجانب آخرين ومصريين- بالسجن لفترات تراوحت ما بين سنة إلى خمس سنوات، وكان الحكم غيابياً في عدد كبير من الحالات، وتغريمهم ألف جنيه، بتهمة تلقي معونات من بعض الدول بلغت 60 مليون دولار "360 مليون جنيه" من خلال 68 منظمة حقوقية وجمعية أهلية تعمل في مصر بدون ترخيص.
وأغلقت القضية بعدما تم ترحيل المتهمين الأجانب في القضية إلى خارج البلاد، غير أن القضية أعيد فتحها من جديد في شباط/ فبراير 2016.
وأخطر جمال عيد، وزميله حسام بهجت، مؤسس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، بمنعهما من السفر، دون أن يخطرا بأية اتهامات جنائية لأي منهما، وفشلت كل المحاولات القضائية لرفع المنع من السفر حتى الآن، وبالتالي فلن يستطيع عيد الذهاب إلى حفل مؤسسة رولاند بيرجر، التي يعتبر أن دعوتها له لحضور الحفل هي "نوع من التضامن" مع الحقوقي الفائز بجائزتها 2011.
لكن ما هي الجائزة؟
في مارس عام 2008 قرر رجل الأعمال والدكتور رولاند بيرجر إنشاء مؤسسة تحمل اسمه في مدينة ميونخ الألمانية، تخصص حماية كرامة الإنسانية وحقوقه في أي مكان في العالم، وخصصت جائزة سنوية قدرها مليون يورو تمنح لدعم مشروعات دعم هذه المشاريع، سواء كانوا أفراداً أو منظمات من جميع أنحاء العالم، وينظم حفل توزيع الجائزة في الـ4 من مايو كل عام، ويسلم الجائزة عادة الرئيس الألماني في حفل رسمي.
وتتضمن أيضاً منحة دراسية تساعد الشباب في الحصول على أعلى مستوى من التعليم لتوفير حياة كريمة لهم، وتستهدف غير القادرين تحديداً.
وأول من تسلم الجائزة كانت الناشطة الكمبودية سومالي مام تقديراً لنضالها ضد الإتجار بالبشر والاستغلال الجنسي في آسيا، وحصل عليها جمال عيد والسوري مازن درويش، والتونسية راضية نصراوي، عن عام 2011، وقسمت قيمة الجائزة على الثلاثة، كان نصيب جمال عيد 340 ألف يورو.
ماذا فعل جمال عيد بقيمة الجائزة التي فاز بها؟
بعد استلام جمال عيد قيمة الجائزة، عاد إلى دار السلام، أحد الأحياء العشوائية القريبة من المعادي جنوب القاهرة، والذي تربى فيه عيد، وقرر أن ينفذ حلمه القديم. يقول جمال عيد، في حديث لـ"عربي بوست": "قررت إنشاء مكتبات الكرامة في الأحياء الفقيرة والعشوائية لأنهم أكثر الفئات حاجة إلى العلم والثقافة"، لكن الدولة لم تترك جمال يفرح بحلمه، وقررت إغلاق كل فروع كرامة التي وصلت إلى خمسة فروع، جميعها في مناطق محرومة.
زي النهاردة في2012 كتبنا عقد دار السلام،أول سلسلة مكتبات الكرامة.
خدمت حوالي 110 ألف مواطن، تم اغلاقها بشكل بوليسي
#لا_لغلق_مكتبات_الكرامة— Gamal Eid (@gamaleid) January 30, 2017
ودشن عدد من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاغ #لا_لغلق_مكتبات_الكرامة للتضامن مع جمال عيد ومكتباته، ورفضاً لقرارات إغلاقها، ورغم ذلك مازالت المكتبات مغلقة حتى الآن.
وقبل أيام، فاجأ جمال عيد منظمي مؤتمر الشباب الثالث في الإسماعيلية بتوجيه سؤال عن غلق المكتبات للرئيس السيسي. وفاجأ منظمو المؤتمر الجميع بتلاوة السؤال على الرئيس، ورد السيسي على معارضه بأن الملف قانوني بحت، وأن القضاء مستقل وقراراته ملزمة، ونفى وجود ما يسمى "أمن الدولة".
عاد جمال عيد ليرد على الرئيس بمداخلة تلفزيونية، أكد فيها أن المسألة ليست في يد القضاء، بل هي تعليمات من الأمن الوطني، أمن الدولة سابقاً، الذي اتهمه عيد بالبلطجة.
هل المعركة ضد جمال عيد وحده؟
"الواضح أن هناك حالة من الاستهداف تطال كل الأصوات المختلفة"، هكذا يقول حافظ أبو سعدة، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان ورئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، لـ "عربي بوست". يضيف: منع النشطاء والحقوقيين من السفر والتنكيل بهم وغلق المنظمات الحقوقية هدفه إسكات كل هذه المنظمات.
ويضيف جمال عيد لهذا الرأي أن "الهدف ليس جمال عيد، ولا الحركة الحقوقية، وإنما الهدف هو إسكات كل صوت مستقل لا يشارك في تجميل النظام".
رفض النائب نبيل بوليس، عضو لجنة حقوق الإنسان، في اتصال مع "عربي بوست" هذه التحليلات، وقال إنها "ادعاءات غير صحيحة، وليس هناك استهداف للحركة الحقوقية. قضية التمويل الأجنبي وما بها من إجراءات هي قرارات قضائية لا علاقة للسلطة التنفيذية بها"، ويكمل أن مصر حالياً "بلد يحترم الفصل بين السلطات ولا يوجد تداخل بين أي سلطة".
كم عدد الممنوعين من السفر في مصر؟
لا يوجد في مصر إحصائية رسمية عن عدد الممنوعين من السفر، غير أنه صدر في نوفمبر 2016، تقرير مشترك بين مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ومؤسسة حرية الفكر والتعبير، يتناول توسع الأجهزة الأمنية بمشاركة أطراف قضائية، في استخدام المنع من السفر بالمطارات المصرية.
التقرير تناول الفترة ما بين يونيو 2014 وحتى سبتمبر 2016، وجاء تحت عنوان "ختم عبور"، ورصد 80 حالة منع من السفر خلال الـ18 شهراً فقط.
قال التقرير، إن المنع من السفر بات يستخدم كأداة "غير قانونية وغير دستورية للتنكيل السياسي والمعنوي بالحقوقيين، بالإضافة إلى الأكاديميين والإعلاميين والمعارضين، عقاباً لهم على الانخراط في العمل العام والتعبير الحر عن الرأي والدفاع عن حقوق مواطنيهم. إنها أداة ابتزاز تستهدف جمع معلومات بطرق غير قانونية عن أقارب وأصدقاء الممنوعين من السفر".
يقول جمال عيد، أن الحرب شرسة على كل الأصوات الحرة، "تصيب الإعلاميين والمستقلين ولا تترك أحداً إلا وتصيبه".
ويوصف الوضع أبو سعدة بقوله "هذه الطريقة تجعلنا نشبه الدول ذات الستار الحديدي، من خلال قمع الأصوات غير الحكومية وقمع المعارضة والآراء المختلفة"، ويضيف أبو سعدة "يبدو أن هناك أجهزة في الحكم ترى أن منظمات حقوق الإنسان هي مجموعة من الجمعيات التي قامت بالتشهير بالنظام في 2011 واسقطته، لذا فهي تنكل بكل من يعمل بها.
بينما يؤكد النائب نبيل بولس، أن القضاء في مصر مستقل، ويتخذ قرارته بعد مداولات داخلية بين القضاة ولا يتدخل أي مسئول في عمل القضاء، ويكمل "الناس فعلاً تعيش في قلق طوال الوقت".
لماذا لا تخشى الدولة من صورتها أمام العالم؟
"صورة مصر أمام حقوق الإنسان على المستوى الدولى أصبحت في القائمة السوداء بشأن حرية الصحافة"، ووضعها في الحريات يتراجع دولياً، هكذا قال أبو سعدة، مطالباً الحكومة المصرية باتخاذ إجراءات سريعة من أجل تصحيح صورتنا أمام دول العالم في مجال حقوق الإنسان.
يرى جمال عيد أن السبب كما هو واضح أن هناك أزمة صراع بين أجهزة الدولة، ويضيف "الأجنحة داخل الدولة لا تريد جمال عيد وكل الحقوقيين المستقلين لكن هذه الأجنحة تختلف فيما بينها على كيفية التعامل مع الملف، وبالتالي تحدث تصرفات يكون الهدف منها إحراج جناح لجناحٍ آخر".
ما هو مستقبل الحركة الحقوقية المستقلة في ظل هذا المنع؟
لا يرى جمال عيد أي بادرة أمل في مستقبل أفضل، "فالحركة الحقوقية المستقلة والصحافيون والإعلاميون وأي شخص مستقل في مصر لا يشارك في تجميل وجه النظام سيكون مصيره التنكيل والتهديد"، ويضيف العسكري الذي يحكم الآن خلف ستار اللباس المدني، غداً سوف يغير الرئيس بدلته المدنية ليرتدي العسكرية، رسمياً.
بينما يرى النائب بوليس إن مراحل إصلاح الاقتصاد تمر بمثل هذه المشاكل لكنها ستنسى جميعها فور تحسن الأوضاع قريباً.