في وقت ظنّ الجميع خيراً في مبادرة النظام الجزائري الذي جعل من يوم الثاني والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول يوماً وطنياً للصحافة، في رسالة تختزل الصحافة في يوم، خرج علينا بوتفليقة بطلّة من طلاته النادرة وبرسالة "إس إم إس"؛ ليحذر من الانفلات الإلكتروني الذي صار يصدع رأس النظام الذي لم تهتز عروشه منذ مدة، رأس ظلّ يحافظ على شعره باستغلال الظروف المواتية من أمن واستقرار وأموال، إلى حين اختلال أحد الظروف تلك.
مرت السنوات، سنة تلو سنة، وعهدة تلو عهدة، واستحماراً وراء استغباء لشعب يرضى بكل شيء، عدا العودة إلى سنوات الجمر والنار، تلك السنوات التي صارت الحامية لنظام بوتفليقة، وما بعد بوتفليقة على ما يبدو، إلى أن اكتسحت مواقع التواصل الاجتماعي كل الساحات والميادين في الجزائر، حتى صار الفيسبوك المعارض الأول والأقوى للنظام في الجزائر.
بالعودة إلى أمجاد وملاحم وبطولات الفيسبوك في بلاد من ادعى الرأي والرأي الآخر، نجد أن أي معركة كان الفيسبوك طرفاً فيها مع الدولة إلا انتصر فيها، بعد أن فشل مَن مِن المفروض أن يحاربوا فيها بكل وحشية، فشلوا بكل ذل وعار، بل صاروا أول من اتهم الفيسبوك بتقزيم أدوارهم في معارضة النظام.
في وقت كان فيه الإسلامي عمار غول بوقاً لمحاربة الفساد وللجدية في عمل قبل أن يغرق إلى أذنيه في الفساد، كانت مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر لا تكاد يسمع لها سوى لمراهقين وبعض من المنظرين، في ذاك الوقت كان لهيب وشرارة الربيع العربي على أهبة الاشتعال، وجّه الوزير السابق حينها لأنصاره بالوجود على هذه المنصة لمساعدته على عمله الجدي، كما كان يرى الجزائريون وزارته حينها، وبالفعل كانت صفحته على الفيسبوك إلى اليوم هي الأعلى من حيث المتابعين، لكن من كان يدعو لغزو مواقع التواصل الاجتماعي قبل سنوات، ناقض نفسه حين صرح قبل سنتين بأن الفيسبوك أصبح الخطر الأول على الجزائر، بعد أن تحول إلى صوت للسلطة، حديث عمار غول آنذاك سمعه وحفظه مدير ديوان الرئيس، وأمين عام الحزب الحاكم الثاني في الجزائر أحمد أويحيى، واحتفظ به إلى حينه، حين اختاره قبل مدة ليست بالبعيدة عن محطة تشريعيات 2017، تشريعيات جعلت الجزائر كلها منفلتة من أيدي السلطة والنظام، على حد سواء.
حديث بوتفليقة عن انفلات إلكتروني في البلاد، وإن لم يصدق جلّ الجزائريين من منفلتين أو أناس بسطاء هذه الرسالة، بأنها تأكيد أن الفيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي صارت فعلاً مزعجة إلى حد أن انفلت كاتب الرسالة، إن كان مدير ديوان الرئيس أو غيره، من كل الأخلاق؛ ليعلق شماعة الفشل في إدارة البلاد على ثلة من الشباب، خلف شاشات حواسيبهم بأنهم خطر على البلاد.
لو خرجت علينا السيدة بن غبريط، وزيرة التربية في الجزائر، بتصريح بوتفليقة لقلنا إنّه رد فعلاً على الحملات والمبادرات التي طالتها من هذا الفضاء، وعرّت مخططاتها ومؤامراتها على التعليم والتربية في بلاد بن باديس، لكن أن يخرج هذا الاتهام من شخص الرئيس الذي جعل من الرسائل الإلكترونية التي تقرأها علينا وكالة الأنباء الجزائرية بين الفينة والأخرى واسطة لشعبه، فهذا هو الاستحمار بعينه.
الأكيد أن وراء هذا الاتهام الخطير الذي نسب إلى بوتفليقة حملة شنيعة لن يسلم منها مَن يملك حساباً على الإنترنت يكتب فيه عن خواطره تجاه الوطن، فالنظام أعلن الحرب، لكنّه لا يدرك أن أي حرب كان الفيسبوك طرفاً فيها إلا انتصر؛ لذلك فأنا منفلت أيها الرئيس.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.