ساقتني ظروف غامضة إلى حضور إحدى حصص "التنمية البشرية"، حيث يلقي "المدرب" خطابه التحفيزي، قاصّاً على الجمهور تجربته الذاتية، أو تجربة شخصيات ريادية عالمية.
على كل حال، في معرض حديثه عن أسس النجاح كـ "فاعل في المجتمع المدني"، تحدَّث صديقنا عن أهمية استهداف "الأسباب" لدى معالجة قضية اجتماعية، وعدم الاكتفاء بإيجاد حلول لـ "النتائج" فقط.
ورغم تقديري لما حمله كلامه من معاني الوعظ الأخلاقي والحث على استحضار "الخيرية" التي يُفترض أن يتسم بها الإنسان، فقد وجدته ضائعاً في إعطاء إرشادات غير عملية، لا تتناسب مع طبيعة الضيوف الممثلين في طلبة الاقتصاد وتسيير المقاولات.
لذا، كان حريّاً -في نظري- اعتماد خطاب منطقي أكثر إقناعاً، فاستهداف "الأسباب" أي جذور المشكل ليس دائماً أمراً ممكناً، من السهل اقتراح حلول دائمة لبعض الظواهر الاجتماعية، لكن تفعيلها يبقى منوطاً بتغيير منظومات اجتماعية كلياً، ما يستغرق وقتاً طويلاً وتوفير ميزانيات ضخمة، وهو ما يُحتم غالباً الاستكانة إلى حلول سريعة، مؤقتة ورخيصة، أو كما يسميها البعض "حلولاً ترقيعية".
ولنكون أكثر واقعية، فحتى فاعلو المجتمع المدني من جمعيات وغيرها، ليس من مصلحتهم وضع أو تبنِّي مقاربات شمولية تقضي نهائياً على بعض المشاكل الاجتماعية القائمة؛ لأنهم -في الحقيقة- ينتفعون من بقائها وأحياناً يتعمدون تجزيئها إلى "مشكلات صغيرة"، تدرُّ عليهم أموالاً إضافية من ممولي المشاريع التنموية محلياً ودولياً.
فالمسألة هنا ليست اتخاذ قرار صائب يضع تجاوز التحدي مسعىً أساسياً له؛ بل هي اختيار حكيم يروم بالدرجة الأولى الركوب فوق ظهور البسطاء، لتحقيق الربح مع التخفيف قليلاً من معاناتهم بشكل يُقدّم صاحب المبادرة بطلاً نبيلاً، وربما تتبلور هنا فكرة "المقاولة الاجتماعية".
أريد في الختام أن أضرب مثلاً بسيطاً بفتاة تريد التخلص من الهالات السوداء، أو البقع على الوجه، فهي ستقف حائرة أمام خيار إخفائها بمساحيق التجميل (حل سريع، مؤقت، ورخيص) أو اتباع علاج طبي بالأدوية (حل جذري، لكنه باهظ الثمن ونتائجه بطيئة)؛ لذا تبقى عناصر الفاعلية، والتكلفة والزما محدِّدات رئيسية ومفصلية في سيرورة مشاريع التنمية البشرية، لكن الولوج إلى جميعها في الوقت نفسه ليس متاحاً للأغلبية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.