تبدو الجمهورية الفرنسية منزعجة من ظاهرة جديدة قديمة، لا علاقة لها بالأزمة الاقتصادية التي بدأت تثير قلق الفرنسيين، ولا بما يدفع آلاف الشباب إلى الخروج احتجاجاً على تزايد نسبة البطالة وضعف الأداء الحكومي، ولا بفشل أجهزة الأمن في صد الهجمات الإرهابية وتفاديها في الوقت المناسب.
لا يتساءل الوزير الأول الفرنسي "مانويل فالس" عن كيفية تجول عشرات المسلحين بكل حرية بين بلجيكا وفرنسا لنقل أسلحتهم وقنابلهم واستعمالها لقتل الأبرياء، لا، فهناك سؤال أهم يشغل رأس القيادة الفرنسية: "ماذا سنفعل مع المسلمات المحجبات؟".
قال الوزير "فالس" قبل أيام قليلة، إن الحجاب هو "أداة لاستعباد المرأة"، وإن "موضوع البطالة والاقتصاد شيء مهم، لكن المعركة من أجل الثقافة والهوية هي الأهم"، في إشارة واضحة على أن معركة الحكومة الفرنسية ستكون شرسة ضد كل هوية وثقافة دخيلة عليها، وليس مع أوضاع اقتصادية وسياسية تهدد مستقبل مواطنيها. وكأن فرنسا استيقظت صباح يوم الإثنين الماضي على نبأ وصول الإسلام إليها، دون علم حكومتها، وربما متسللاً عبر البحر في زوارق تهريب.
لا يمكن لعقل سليم أن يقتنع بوجوب شن معركة على هوية أو ثقافة يتبناها 6 ملايين مواطن، يمثلون شريحة مهمة من المجتمع الفرنسي، ألا وهم المسلمون.
فرنسا التي كانت أول بلد يحتضن إعلان وثيقة حقوق الإنسان، التي تقول في بندها الثاني: "لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر".
لم يأت خطاب الوزير الأول الفرنسي إلا تزكية لخطاب آخر سبقه ببضعة أيام، ومن فم وزيرة أخرى لا تقل شأناً ولا وفاءً للمعركة التي أعلنها السيد "فالس"، فوزيرة شؤون الأسرة والمرأة قالت في حوار صحفي إن المرأة التي تقبل الحجاب هي "كالعبيد السود الأمريكيين الذين كانوا يوافقون على العبودية".
قبل أن نتطرق إلى خطورة التشبيه الذي استعملته وزيرة المرأة الفرنسية، دعونا نتوقف في حديثها عن العبيد، فأي إنسان له دراية بسيطة وسطحية عن تاريخ العبودية في أمريكا سيصدم من هول ما قالت، فحديث الوزيرة يتناول موضوع العبودية وكأنه سياسة اجتماعية قد نتفق أو نختلف معها، وكأن العبيد الأمريكيين استمتعوا بحق الرفض أو القبول بهذا النظام الاجتماعي (العبودية)، أو ربما أسسوا نقابات للعبيد للتعبير عن موقفهم من استعبادهم.. وهو لأمر، إذا أمعنا النظر، خطير. لاسيما إذا رأينا استعمالها لتاريخ العبودية الدموي والكارثي كشبيه لوضع المحجبات المسلمات، بمن فيهن ربة البيت والطبيبة والموظفة والصحفية.. كلهن مجرد نسخ مكررة عن العبيد الذين تلذذوا بنعيم العبودية.
ثم النقطة الأهم، هي أن صاحبة هذا التصريح، كما ذكر أعلاه، هي وزيرة "شؤون الأسرة والمرأة" عن أي أسرة استوزرت، وأي امرأة بالعبودية قصدت؟!
لقد عانت فرنسا الكثير جراء تفسخ شرائحها المجتمعية، وسقطت أرواح بسبب تركها لمراهقين وشباب في عزلة جغرافية (الضواحي المهمشة) وفكرية وأيديولوجية، جعلت منهم أدوات حربية وقنابل متنقلة، ثم لا تفكر الأحزاب الحاكمة أو المعارضة إلا في المستقبل الانتخابي القريب، فتتبنى أي موقف أو خطاب يجعلها تقتبس شيئاً من لائحة الناخبين المنحازين لليمين المتطرف.
وأطراف سياسية وإعلامية أضحت تحت سيطرة لوبيات تريد جعل المسلمين في خانة المواطنين من الدرجة الثانية، فالمسلمون هم واقع يشمئز منه الكثيرون في فرنسا، عددهم 6 ملايين وهم في تزايد مستمر، يحملون بطاقات الناخبين وجوازات سفر حمراء فرنسية، والأخطر هو أن يحملوا شيئاً من عقيدتهم إلى مؤسسات الدولة، ففرنسا بلد قوي وذات نفوذ كبير وعضو في مجلس الأمن.. وما أدراك ما مجلس الأمن.
إن الواقع والمنطق ومعهما الفكر الإنساني لينطقون بلسان الحق قائلين: بما أن معركة الوزير "مانويل فالس" كذلك، فلماذا لا يحاول أسلمة البطالة والأزمة الاقتصادية حتى يسحقهما؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.