لا شك أبداً أن الحركة الإسلامية وعلى مدار السنوات الماضية أصبحت دون منازع حديث الساعة ونقاش الغرف المفتوحة والمغلقة عقب انطلاق قطار الربيع العربي ومشاهد التغيير الأولية، والتي صدرت القوى الإسلامية إلى الحكم المؤقت على امتداد دول الثورات، لكن التغيير الهش الذي لم يرتكز برأي العديد من المحللين والمتابعين على ركائز ثابتة وجذور عميقة سرعان ما أنهى دور إسلاميي الثورات وأعادهم إلى المربع الأول، إما تيارات محظورة ومقهورة، منكل بشبابها وقادتها، وإما خارج الحكم دون دور يذكر أو فعالية مؤثرة على مراكز صناعة القرار الوطني.
لكن الارتفاع المحدود الذي عاشته الحركات الإسلامية في مصر وليبيا وتونس، والذي لم يصمد سنتين، لم يقابله تقدم ولو بسيط لأداء إسلاميي لبنان على مختلف تنوعهم الفكري أو الفقهي، على الرغم من وجود بعض الفرص التي لم يستطيعوا حتى استغلالها، والاستفادة منها ولو بشكل طفيف، لكنهم يربطون ذلك دائماً بالظروف المحيطة والتحديات الجسيمة التي تحاصرهم من كل جانب، ولو ناقشت أحد قياداتهم لسرد لك التاريخ المؤلم منذ بداية من الاحتلال السوري وممارساته الاستبدادية وإضعاف أي دور إسلامي يحاول أن يطفو قليلاً على المشهد، مروراً باغتيال الرئيس الحريري وتحجيم دور المشاريع الإسلامية، واختصار السُّنَّة بتيار المستقبل بزعامة حريرية مدعومة سعودياً ومقبولة لدى باقي المكونات الأخرى.
لكن الواقع المأزوم لتيارات الإسلام السياسي في لبنان ما هو إلا جزء من أزمة كبرى تمر بها الحركة الإسلامية على صعيد العالم العربي، بدت معالمه الجلية بُعيد الانقلاب العسكري على محمد مرسي في مصر، والصراع الذي تشهده جماعة الإخوان المصرية بين الشباب والشيوخ على أساليب وممارسات في إدارة الأزمة التي حلت بالإخوان المصريين، سرعان ما تحولت لأزمة على صعيد الفكر والرؤية والمشروع، في حين ألقت هذه الأزمة بظلالها على بعض شباب الحركة في لبنان، وتحول الصراع الحركي إلى صراع فكري على الرغم من محاولات البعض من المسؤولين الفاعلين لإسكات هذه الأصوات الصاعدة في السر والعلن، في حين يُجري العديد من الشباب مراجعات جذرية للعديد من الأفكار والمنطلقات، التي ما زالت الخبز اليومي لتقليديي الفكر والممارسة في الحركة الإسلامية.
لكن تيار "الشباب الجدد"، بحسب ما يطلق عليهم البعض، يرى أن الحلول تبدأ من الاعتراف بالأخطاء والتصويب عليها دون خوف من ردات الفعل التي قد تصدر من هنا أو هناك، ووضع الحلول الجذرية البعيدة عن التسكين والمورفين الحركي، وإعلان حالة الطوارئ على كل المستويات الفكرية منها والحركية، والعمل على مراجعات شاملة لكل المراحل التي مرت على لبنان، أكانت الحركة جزءاً منها أم لم تكن، والعمل على إعداد كوادر متخصصة وجاهزة للعمل، وفق فقه الواقع، بعيداً عن عقلية الدروشة والتخبط والعشوائية.
والأهم من كل ذلك الاتفاق على شكل ومضمون المشروع الوطني، والهوية النهائية للحركة اللبنانية، بعد أن أضحت الحركة تياراً عابراً للحدود في تبنيه لكل القضايا العربية والإسلامية، وضخ الطاقات فيها، وإهمال الاهتمامات الوطنية والقضايا اليومية للمواطن اللبناني الذي يعاني كل أنواع الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة، على الرغم من وجود مؤسسات اجتماعية وتربوية وخدماتية تعتبر رديفاً مباشراً للحركة الإسلامية.
الأسئلة كثيرة، والتحديات جسيمة، والواقع يفرض تغييراً شاملاً يبدأ من بعض الثوابت المغلوطة، والاعتراف بالفشل واستثمار المبادرات الناجحة، فردية كانت أم جماعية، والسير قدماً للعمل على مشروع جامع، لا يفرق، ويبتعد عن التحزب وعقلية القطيع، وينهي دور المتغولين على مقدرات الدعوة، وينظم دور المشايخ والدعاة، بدلاً من دخولهم عوالم لا يفقهونها ولا يعلمون عنها شيئاً.
من هنا يبدأ الحل.. ومن هنا نجد الطريق.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.