بارقة الأمل لاحت أمام مئات الآلاف من المغاربة الذين يعانون من مرض الالتهاب الكبدي الذي يسببه "فيروس سي" عندما تم الإعلان عن قرب نزول دواء مصنع محلياً سيتسبب في رفع المعاناة المالية عن كاهل المرضى الذين كانوا يدفعون مبالغ باهظة من أجل الدواء الأصلي.
طفرة علاجية بسعر منخفض
مقابل 3000 درهم مغربي (حوالي 300 دولار) سيكون أمام 625 ألف مريض مغربي القدرة على الحصول على أول "علاج آمن وفعال" ضد هذا المرض، حسب ما أعلنته وزارة الصحة، علما أن الدواء الأصلي يكلف 800 ألف درهم (حوالي 80 ألف دولار).
لا مجال للمقارنة!
الحدث الذي كان متوقعاً منذ إعلان وزارة الصحة المغربية قبل أسابيع عن التوصل إلى تصنيع دواء عالي الفعالية ضد الالتهاب الكبدي الفيروسي (سي) يفتح أمام المغرب باب الريادة القارية والعربية في مجال تصنيع الأدوية الجنيسة المنخفضة الثمن، المضادة للأمراض المستعصية.
في مختبر للتحليلات الطبية بوسط العاصمة، أبدى السيد "ف. الزناتي"، في منتصف عقده الخامس، استبشاره بهذا الإنجاز الطبي، وهو الذي أنهكه المرض جسداً ومالاً.
لقد اضطر الزناتي إلى بيع عقار من أجل متابعة حالته الصحية داخل وخارج المغرب، وربما حان أوان وقف هذا النزيف، الذي يجعل المريض يشعر بذنب الإنفاق من رزق، أولاده أولى به.
اليوم، يشكل المستحضر الجديد الذي ستعرضه الصيدليات ابتداءً من 10 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، طفرة في علاج فيروس الالتهاب الكبدي "سي"، لكونه يؤخذ عن طريق الفم، ونسبة الشفاء تفوق 90 %، كما أن أعراضه الجانبية أقل بالمقارنة مع المستحضرات الأخرى.
النتائج المشجعة لهذه الطفرة العلاجية دفعت وزارة الصحة المغربية إلى التبشير بالقضاء على هذا المرض في أفق عام 2020. كما سيكون تصنيع الدواء الجديد، حسبما أعلنت الوزارة، بداية لإنتاج وتصنيع العديد من الأدوية الباهظة الثمن المستعملة في علاج الأمراض المزمنة (مثل السرطان).
لالتمرد على جشع المختبرات الدولية
قصة تصنيع الدواء الجديد الذي يدخل المغرب إلى نادي الدول القليلة في مجال إنتاج الأدوية الجنيسة لعلاج التهاب الكبد (سي) إلى جانب مصر والهند وبنغلاديش، بدأت عقب فشل المفاوضات مع المختبر الأميركي "جيليد" من أجل تسويق الدواء، بأسعار مقبولة على غرار قائمة البلدان ذات الدخل المنخفض التي يعتمدها المختبر.
نتيجة لفشل المفاوضات، وما أتبعه من عدم تجاوب منظمة الصحة العالمية مع احتجاج الحكومة، اضطرت المغرب للبحث عن بديل ملائم لتوفير الدواء بأسعار رخيصة.
وكان الحل أمام الحكومة المغربية هو شركات الدواء المحلية، التي تمكنت بالفعل من إنتاج الدواء الجديد.
ويعاني مرضى التهاب الكبد الفيروسي (سي) من ارتفاع أسعار الدواء الأصلي بالإضافة إلى أن فعاليته لا تتجاوز 55%، وسط مسلسل معقد من المتابعة العلاجية مما كان يشكل ضغطاً على كاهل المريض.
وكانت وسائل إعلام مغربية قد أشارت في شهر يونيو/ حزيران الماضي إلى أن رئيس المختبر الأميركي "جيليد" قد زار المغرب في محاولة لثنيه عن تصنيع الدواء الجنيس محلياً، واقترح منحه ترخيص دواء بسعر منخفض لكن بفعالية علاجية أقل أيضاً، وهو ما رفضته السلطات المغربية آنذاك.
المهتمون بالحقل الصحي في المغرب يرون أن السعر المحدد قابل للتخفيض أكثر في سياق المنافسة مع الأدوية الجنيسة المماثلة التي لا يتجاوز سعر بعضها في السوق نصف هذا المبلغ.
وكانت منظمة "أطباء العالم" قد أشارت في بيان لها أن العقار الأصلي الذي احتكر تسويقه مختبر "جيليد"، يتم طرحه في الأسواق بأسعار تمنع وصول العلاج للشرائح الواسعة من المرضى.
وقالت المنظمة في بلاغ أصدرته في حينه أنها تدافع عن كون الوصول إلى العلاج هو حق من حقوق المرضى.
وتقدر منظمة الصحة العالمية عدد حاملي الفيروس الكبدي المزمن في العالم بـ130 مليون إلى 150 مليون شخص.