أيّ انقلاب نجح في تركيا؟

لنقرّ ابتداءً بأنّ عامل الإرادة الشعبيّة يُعتبر عاملاً رئيسياً في إفشال المحاولة العسكريّة الانقلابيّة إلى جانب عوامل أخرى عديدة، فلا يمكن إذن عزل هذه المحاولة عن موجه الانقلابات المختلفة شكلاً على إرادة الشعوب في التحرّر من الطغيان أو في اختيار من يحكمها.

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/13 الساعة 03:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/13 الساعة 03:06 بتوقيت غرينتش

* تركيا والانقلابات: التاريخ والعلاقات
تاريخ الانقلابات العسكريّة في تركيا تاريخ حافل في مناسبات عديدة، فقد نُفِّذت في تركيا طوال تاريخها الحديث أربعة انقلابات عسكريّة أعوام 1960 و1971 و1980 و1997، وكانت المحاولة الأخيرة بيضاء فاشلة، فيما وقفت محاولة عام 2007 عند حدّ الكواليس. وكان الانقلاب يُنَفَّذ في كلّ مرّة تحت شعار واحد وذريعة واحدة "حماية مبادئ العَلمانية" التي تشكل الدعامة الأساسية للبلاد، وكان ينجح في كلّ مرّة في بلوغ أهدافه.

وتسطّر القراءة السريعة لهذا التاريخ الانقلابي منذ البداية مجموعة من المعطيات المهمّة التي تلفت أيّ انتباه:

– كلّ الانقلابات التي نُفِّذت عسكريّة، وللعسكر فيها اليد الطولى، ولم يسجّل التاريخ انقلاباً سياسيّاً أو اجتماعيّاً بشكل من الأشكال، وهذا ما يجعل من مؤسسة العسكر تقتحم المجال السياسي وتصبح رقماً صعباً في المعادلة السياسيّة التركيّة.

– بدأت الانقلابات العسكريّة تاريخيّاً في العقد الذي بدأت فيه أمصار الشرق الأوسط التي كانت تابعة للسلطة العثمانيّة بناءَ ما سُمِّيَ بــ"الدولة الحديثة"، وفي هذا توجيه من السلطة التركيّة، باعتبارها سلطة تاريخيّة، لاختيارات بناء الدول نحو الاختيار العلمانيّ.

– كلّ الانقلابات العسكريّة كانت على حكومات منتخَبة، ولم تكن من بينها حكومة واحدة غاصبة أو انقلابيّة، وهذا دليل على أنّ الانقلابات تقع في كلّ مرّة على الإرادة الشعبيّة وليس على طرف سياسيّ معيّن، وإنْ كان هناك حضور للطرف الإسلاميّ كطرفٍ حاكم منقلَب عليه.

– لا تقف أهداف الانقلابات عند حدّ "حماية مبادئ العَلمانيّة" بوصفها اختياراً أتاتوركيّاً، بل تتجاوزه إلى صدّ أي نظام حاكم من شأنه العودة بنظام حكم تركيا إلى ما قبل الأتاتوركيّة، خاصّة أنّ تركيا تعتبر، تاريخيّاً، آخر تمثيل ومقرّ وعاصمة لسلطان دولة المسلمين. فأيّ محاولة للعودة تمثّل في حدّ ذاتها محاولة انقلابيّة على "المبادئ العَلمانية" للدولة التركية الحديثة.

* المحاولة الفاشلة والانقلاب الناجح:

هناك شبه إجماع محليّ ودوليّ على فشل المحاولة العسكريّة الانقلابيّة التي نُفِّذت عشيّة الجمعة 15 يوليو/تموز الجاري. ولكن الحُكم على المحاولة لا ينتهِ عند الإقرار بفشلها كحدث تركيّ معزول عن الأحداث الدائرة في المنطقة والعالم.

إنّ قراءة فشل المحاولة الانقلابيّة العسكرية في سياق ما سبقها وما حولها وما تبعها من أحداث من شأنه أن يقرّ صراحةً بأنّ انقلاباً ما قد نجحَ.

لنقرّ ابتداءً بأنّ عامل الإرادة الشعبيّة يُعتبر عاملاً رئيسياً في إفشال المحاولة العسكريّة الانقلابيّة إلى جانب عوامل أخرى عديدة، فلا يمكن إذن عزل هذه المحاولة عن موجه الانقلابات المختلفة شكلاً على إرادة الشعوب في التحرّر من الطغيان أو في اختيار من يحكمها.

فما يقوم به النظام السوريّ منذ خمس سنوات ليس إلاّ شكلاً من أشكال الانقلاب الدمويّ على إرادة الشعوب في التحرّر من الاستبداد.
وما حدث في مصر منذ ثلاث سنوات هو انقلاب عسكريّ على إرادة الشعب في اختيار حكّامه.
وما يدور في اليمن والعراق وليبيا هو في التحقيق انقلاب على إرادة الشعوب وإن اختلفت الأشكال.

وإذا استحضرنا تاريخ نجاحات الانقلابات العسكريّة في تركيا جازَ لنا بالتالي أنّ نقرّ بأنّ الانقلاب الناجح هو انقلاب إرادة الشعب على مؤسسة العسكر الانقلابيّة وهذا الانقلاب الناجح هو الأوّل من نوعه في تاريخ تركيا وربّما في تاريخ المنطقة.

* انقلاب آخر قد ينجح:

ولننظر الآن إلى ما أعقب الانقلاب العسكري الفاشل من تصريحات وخطابات
رسمية وشبه رسميّة حتى ندرك أنّ انقلاباً آخر قد نجح أو في طريقه إلى النجاح.

ربّما يطول عرض خطابات كلّ من الرئيس التركي الحالي رجب طيّب أردوغان والسابق عبد الله غول ورئيس الوزراء الحالي بن علي يلدرم والسابق أحمد داود أوغلو ورئيس المخابرات هاكان فيدان وغيرهم ممّن كانت لهم تصريحات وخطابات.
ولكن الممكن أو اللافت للانتباه هو قوّة حضور المعجم الديني التاريخي في تلك الخطابات والتصريحات من قبيل "جيش محمّد" و"جيش الإسلام" و"محمّد الفاتح" و"جند الله" وغيرها من المفردات الدالّة.

وربّما يُحمَل الأمر على المجاز لو تمّ توجيه هذه الخطابات إلى الشعب فحسب، ولكن الواقع أنّ هذه الخطابات موجّهة أيضا، وفي مقامات رسميّة، إلى أجهزة المؤسسة العسكريّة وأفرادها الذين لم يتورّطوا في المحاولة الانقلابيّة.

وإذا استحضرنا هنا مختلف الإصلاحات القانونيّة المتدرّجة ذات الصلة بقوانين المؤسسة العسكريّة، والتي قامت بها حكومة العدالة والتنمية يمكننا أن نقرّ بأنّ هذه الخطابات تكشف عن درجة أخرى متقدّمة في تعامل مؤسستي الرئاسة والحكومة التركيتين مع عقيدة الجيش التي عرفت تحولاً جذرياً بعد مجيء حكومة رجب طيب أردوغان، حيث تحول من حامٍ للعلمانية إلى مدافع عن المواطنين الأتراك ضد التهديدات الخارجية، لكن هذه المرّة قد تعرف عقيدة الجيش انقلاباً حقيقيّاً من حامٍ للعلمانيّة إلى حامٍ لديار الإسلام.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد