يحتفل العالم في الثامن من مارس/آذار من كل عام باليوم العالمي للمرأة، ذلك اليوم الذي يرمز لدعم حقوق كل امرأة وفتاة والدفاع عنها، بما في ذلك حقها في حياة خالية من الاضطهاد والعنف.
ولكن العالم لا يزال يشهد اضطهاداً للمرأة في عدة دول، بما في ذلك الإيذاء البدني والجنسي، الاعتقال والاختفاء القسري، التعذيب والاغتصاب، وغيرها.
وتعد مصر من الدول التي تشهد انتهاكاً لحقوق المرأة، حيث تعاني العديد من النساء من الاضطهاد منذ الانقلاب العسكري الذي شهدته مصر عام 2013.
ولقد وثقت العديد من منظمات حقوق الإنسان الدولية تلك الانتهاكات والجرائم. وتعد "زبيدة إبراهيم أحمد يونس" إحدى هؤلاء الضحايا، وهي مجرد مثال واحد من بين العديد من النساء اللاتي يعانين من الاضطهاد بأشكاله المختلفة.
وذلك وفقاً لتقرير نشرته وكالة الـ(بي بي سي) البريطانية (BBC) في الثالث والعشرين من فبراير/شباط من عام 2018 تحت عنوان: الظلام يخيّم على مصر – The Shadow over Egypt. وقد تضمن هذا التقرير مأساة "زبيدة" وفقاً لشهادة والدتها.
"زبيدة" فتاة مصرية في العشرينات من عمرها، كانت طالبة بكلية التجارة بجامعة القاهرة، وكانت تحلم كغيرها من الفتيات بحياة سعيدة.
بدأت مأساة زبيدة ووالدتها عام 2014، عندما تصادف مرورهما بجوار إحدى المظاهرات المنددة بالانقلاب العسكري، حيث تم اعتقالهما في الوقت الخطأ والمكان الخطأ.
وتحكي والدة "زبيدة" ما حدث لهما أثناء اعتقالهما قائلة: "لقد تعرضنا للضرب والسب. لقد جردونا من ملابسنا، وصعقونا بالكهرباء. لقد أرادوا منا الاعتراف بأشياء لم نرتكبها كالتخطيط لتفجير أحد الفنادق وحيازة أسلحة. لكننا رفضنا الاعتراف، ولذلك هددوني باغتصاب زبيدة أمامي. وبعد اعتقال دام سبعة أشهر أطلقوا سراحنا".
وفي الخامس عشر من يوليو/تموز من عام 2016 اختفت "زبيدة" قسرياً لأول مرة. وبعد ثمانية وعشرين يوماً وُجدت زبيدة ملقاة على جانب الطريق بإحدى ضواحي العاصمة المصرية "القاهرة".
كانت "زبيدة" معصوبة العينين، موثقة الأيدي والأرجل، ممزقة الملابس، ومنزوعة عنها ملابسها الداخلية. وبينما كانت والدتها تحاول مساعدتها للاغتسال وتغيير ملابسها، فوجئت بوجود جروح قطعية في جسم زبيدة وحروق وآثار صعق بالكهرباء، وكانت الصدمة الكبرى عندما أخبرتها "زبيدة" أن رجال الشرطة عذبوها بوحشية واغتصبوها.
وفي الثامن من أبريل/نيسان من عام 2017 اختفت زبيدة قسرياً للمرة الثانية. وباءت محاولات والدتها للعثور عليها بالفشل على مدار عشرة أشهر قبل حديثها مع (BBC).
وعلى الرغم من المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها والدة زبيدة جراء حديثها هذا، وعلى الرغم من أن ابنتها قد اختفت قسرياً وعُذبت واغتصبت، فإنها آثرت ألا تصمت على عكس العديد من الضحايا وأسرهم الذين يؤثرون الصمت خوفاً من المزيد من الاضطهاد.
وفي السادس والعشرين من فبراير/شباط 2018، ظهرت زبيدة في لقاء تليفزيوني مع المذيع "عمرو أديب" على قناة (أون إي (On E)؛ حيث أنكرت زبيدة أثناء اللقاء تعرضها للاختفاء القسري أو لأي نوع من سوء المعاملة. وقالت إنها ليست على اتصال مع والدتها لأكثر من عام بسبب خلافات بينهما، وإنها قد تزوجت وأنجبت طفلاً. ولقد ظهر معها زوجها وابنها المزعومان. ولقد اتخذت الحكومة المصرية ووسائل إعلامها تلك المقابلة كدليل على عدم مصداقية الـ(BBC) ونشرها أخباراً كاذبة عن مصر، كما طالبتها بالاعتذار عن تقريرها، إلا أن (BBC) رفضت الاعتذار وتمسكت بمصداقية التقرير وصحة ما جاء فيه.
وفي السابع والعشرين من فبراير/شباط 2018، أخبرت والدة زبيدة إحدى القنوات المعارضة للنظام في مصر أن ابنتها أُجبرت تحت التعذيب على إنكار ما حدث لها. وأصرّت على صحة كل ما قالته لـ(BBC). وفي الثاني من مارس/آذار من عام 2018 اعتقلت والدة زبيدة بتهمة إشاعة أخبار كاذبة. كما اختفى محامي والدة زبيدة "عزت غنيم" في اليوم التالي. وعبّرت منظمة العفو الدولية عن قلقها العميق من احتمال اختفاء المحامي قسرياً.
هناك عدة أسباب تدعو إلى الشك في مصداقية كل من الحكومة المصرية ووسائل إعلامها، مقابل الثقة فيما تضمنه تقرير الـ(BBC) حول مأساة زبيدة ووالدتها، ومنها:
أولاً: السرعة التي ظهرت بها زبيدة عقب نشر تقرير الـ(BBC) بما يشير إلى معرفة أجهزة الأمن بمكانها، خاصة في ضوء بحث والدة زبيدة عنها لمدة عشرة أشهر كاملة قبل التقرير.
ثانياً: التركيز على حالة زبيدة وتجاهل باقي الحالات المماثلة التي أوردها تقرير (BBC).
ثالثاً: ليس من الطبيعي ولا المعقول لفتاة مصرية كانت تعيش مع أسرتها حياة مستقرة قبل وقوع كل تلك الأحداث أن تتزوج وتنجب دون إخبار أسرتها.
رابعاً: لم تنكر الحكومة ولا وسائل إعلامها اعتقال زبيدة ووالدتها لمدة سبعة أشهر في عام 2014.
خامساً: من المعروف جيداً عن قناة (أون إي On E) وعن المذيع "عمرو أديب" موالاتهما وتملقهما للحكومة، فضلاً عن أن "عمرو أديب" قد ذكر أن المقابلة تمت بمنزل زوج زبيدة، ثم أشار إلى نفس المنزل بكلمة "استوديو" أثناء المقابلة، ثم أعلن لاحقاً أن المقابلة تمت بأحد مقرات وزارة الداخلية.
سادساً: اعتياد استخدام وسائل الإعلام المصرية كأدوات مساعدة ومساندة للنظام، بينما أغلقت كل قنوات المعارضة بعد الانقلاب العسكرى عام 2013.
سابعاً: تاريخ نظام السيسي، خاصة فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الاختفاء القسري، التعذيب، والاغتصاب. وقد وثّقت العديد من منظمات حقوق الإنسان الدولية المئات من تلك الحالات.
عزيزي العالَم، أرجو أن تكون قد استمتعت بالاحتفال باليوم العالمي للمرأة تاركاً نساء كزبيدة ووالدتها يعانين الظلم والقهر والاضطهاد.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.