نظرية القتل والتقتيل.. دعوة للتفاؤل في زمن “الهمجية والدين”

الكون بُني على التغيُّر، والتغير هنا ليس التبدُّل بقدر ما هو عدم الثبات على حال -أيّ حال يخطر على بالك- لذلك، فالآلام الهائلة التي تعتري الكرة الأرضية اليوم لن تدوم إلى اﻷبد.

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/22 الساعة 01:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/22 الساعة 01:36 بتوقيت غرينتش

واقعٌ مريرٌ نعيشه بكل تفاصيله وآلامه رغماً عنا نحن العرب. لكن، كي نعود إلى توازننا ونمضي في الحياة، التي أجمل ما فيها أنها تُعاش بحلوها وكثرة القتل والتقتيل فيها، لا بد من التعاطي مع هذا الكم الهائل من القتل وقطع الرؤوس وتناثر الجثث اليومي الذي يبدو أنه مفرط الجنون لا نهائي. لا بد من إيجاد طريقة ما للتعايش معه؛ إذ نحن بصدد تغيير نظرتنا لهذه اﻵلام كي نستمر في العيش مع قدر ضئيل من التشاؤم، حياة سنورثها مرغَمين ﻷجيال قادمة مع قدر ضئيل من السوء أيضاً.

لِنتفقْ على أمرين اثنيْن قبلاً: أما اﻷول فهو أن الكون بُني على التغيُّر، والتغير هنا ليس التبدُّل بقدر ما هو عدم الثبات على حال -أيّ حال يخطر على بالك- لذلك، فالآلام الهائلة التي تعتري الكرة الأرضية اليوم لن تدوم إلى اﻷبد. والثاني هو أن الكون بُني أيضاً على التوازن، فبعد الانكماش انفراج والعكس، وبعد الحرب سِلم والعكس، وبعد التشتت تكتل والعكس، وبعد التنافر توافق والعكس، وبعد التأخر تقدُّم والعكس، وبعد الفقر غنىً والعكس، لا يمكن أن تجد وضعاً إنسانياً دون مقابل عكسي له، وهذا ما ستلاحظه -عزيزي- خلال تتبعك للتاريخ، وستجد -عزيزي القارئ- اﻷمثلة المحكمة على ذلك فيما لو تتبعت هذا التاريخ بينما تضع نصب عينيك هذين اﻷمرين اللذين يميزان كوننا.

هذه مقدمة بسيطة رميتُ من ورائها إلى أن أزوِّدك -عزيزي- بجرعة خفيفة من التفاؤل قبل الجرعة اﻷكبر منه، هذه الجرعة تتعلق مباشرة بتاريخ أوروبا، فأوروبا مرت بفترة عصور أُطلق عليها "العصور المظلمة" التي امتدت من سنة 400 إلى سنة 1400 ميلادي، أي 1000 سنة من عصر الظلام الذي امتاز بالجهل وانتشار الخرافة والتعصب والتقوقع والحروب والصراعات والهوس الديني وسيطرة الكنيسة على الحياة المدنية والسياسية، لقد وصف المؤرخ اﻹنكليزي جيبون هذه اﻷلف سنة بعصر "الهمجية والدين".

فيما بعدُ، قام المؤرخون بتوسيع مفهوم عصر الظلام اﻷوروبي ليشمل انعدام الكتابات التاريخية، وانعدام التطور الحضاري واﻹنجازات المادية، واانحطاط في شتى المجالات، وبدل ذلك تفشّى الجهل والتزمُّت الديني والصراعات بين الشعوب الأوروبية حد الحروب الطاحنة. حقيقةً، لا أريد الخوض كثيراً هنا، لكن يبدو -عزيزي القارئ- أنك بتّ تقارن بأننا ربما نمر اﻵن -نحن العربَ- بما يشبه إلى حد بعيد عصور أوروبا المظلمة. لكن، لا أعتقد كثيراً أنه أمامنا كعرب ونحن نمر بعصر الظلام 500 سنة إضافية مع حربين عالميتين اثنتين حتى نتمكن في النهاية من إنتاج ذاك اﻹنسان العربي الذي يشبه اﻹنسان الأوروبي الحالي، لا أعتقد ذلك.

غير أنني أعتقد جازماً، هذه المرة، بأنه ربما أمامنا الكثير لنقدمه من ضحايا بشرية كالـ50 مليون إنسان أوروبي الذين راحوا ضحية الحرب الثانية. ومن هنا، نشأت لديّ رؤية جديدة تتعلق بفلسفة القتل، وخاصة في أيامنا هذه، والتي أعني بها أنه لو بقي الـ50 مليون إنسان أوروبي على قيد الحياة لربما وقفوا بوجه تطور أوروبا وإنسانها الذي نراه اليوم.

وهذه الفلسفة، ربما ستنجح في بلادنا بشكل أكثر فاعلية حسب اعتقادي؛ حيث إننا بحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى للتخلص من أجيال باقٍ منها الكثير، وأجيال حالية تربّت وترعرعت على الخنوع والذل واانكسار وعبادة الملوك والرؤساء وجيوشهم، تتغنى بالشرطي والدركي ورجل الأمن أكثر ما تتغنى بالعالِم والمدرس والطبيب والمهندس! وتعبد البشر أكثر من ربِّ البشر، هذه الأجيال إن بقيت فستقف في طريق تغيرنا وتقدمنا، وستقف أيضاً في طريق أن نصبح بشراً حقيقيين في النهاية طالما بقيت بين ظهرانينا. رغم أنني ضد القتل والتقتيل، وضد الجنون الذي يحيط بنا، فإنها دعوةٌ للتفاؤل من بين هذا الكمّ الهائل من السواد ما دام أنه ما باليد حيلة.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد